أَوْحَى إلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِهِ أَظُنُّهُ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (يَا دَاوُد قُلْ لِلظَّالِمِينَ لَا يَذْكُرُونِي فَإِنِّي آلَيْت عَلَى نَفْسِي أَنَّ مَنْ ذَكَرَنِي ذَكَرْته، فَإِنْ هُمْ ذَكَرُونِي ذَكَرْتهمْ بِالْغَضَبِ) .
وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَمْ مِنْ قَارِئٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَالْقُرْآنُ يَلْعَنُهُ يَقْرَأُ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ، وَهُوَ ظَالِمٌ) انْتَهَى وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الظُّلْمَ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ مَدَّ يَدَهُ لِأَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ الظُّلْمُ أَعَمُّ فَقَدْ يَكُونُ يَظْلِمُ نَفْسَهُ فِي ارْتِكَابِهِ لِلْمُخَالَفَاتِ أَوْ تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ الْمَأْمُورَاتِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ يَتْلُو الْقُرْآنَ وَالْقُرْآنُ يَلْعَنُهُ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقُرْآنِ إنَّمَا هُوَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ أَحْكَامِهِ وَمَعَانِيهِ، وَذَلِكَ فِي مَجَالِسِ الْعُلَمَاءِ وَتِلَاوَتِهِ بِاللِّسَانِ فَرْعٌ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ الْمَقْصُودِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الطَّبِيبِ الْأَعْظَمِ وَصَاحِبِ النُّورِ الْأَكْمَلِ إلَّا عَلَى الْأَصْلِ وَالْمَقْصُودِ الَّذِي يَجْمَعُ الْخَيْرَاتِ كُلَّهَا.
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعَفَا عَنْهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهَا وَسَاقَهَا فِي فَضْلِ اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ الْجَمَاعَةِ مُجْتَمَعِينَ وَفَضْلِ الْقَارِئِينَ وَالسَّامِعِينَ وَبَيَانِ فَضِيلَةِ مَنْ حَضَّهُمْ وَجَمَعَهُمْ عَلَيْهَا وَنَدَبَهُمْ إلَيْهَا ثُمَّ قَالَ: اعْلَمْ أَنَّ قِرَاءَةَ الْجَمَاعَةِ مُجْتَمَعِينَ مُسْتَحَبَّةٌ لَهُمْ بِالدَّلَائِلِ الظَّاهِرَةِ وَأَفْعَالِ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ الْمُتَظَافِرَةِ انْتَهَى.
وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ بَطَّالٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ قَالُوا: الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى مَعْرِفَةِ تَلَقِّي الصَّحَابَةِ لَهَا كَيْفَ تَلَقَّوْهَا مِنْ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ فَإِنَّهُمْ أَعْرَفُ بِالْمَقَالِ وَأَفْقَهُ بِالْحَالِ انْتَهَى؟ .
وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مَا يَنُصُّ عَلَى أَنَّهُمْ اجْتَمَعُوا عَلَى مَا تُرْجِمَ عَلَيْهِ أَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ» فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَنَّهُمْ اجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ يَتَرَاسَلُونَ بَيْنَهُمْ صَوْتًا وَاحِدًا، بَلْ ذَلِكَ عَامٌّ هَلْ كَانَ عَلَى صَوْتٍ وَاحِدٍ أَمْ لَا؟ وَقَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute