للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ رَأَى عِنْدَ شَيْخِهِ مَا يُحِبُّهُ الْتَزَمَهُ لِمَحْبُوبِهِ الَّذِي وَجَدَهُ عِنْدَهُ.

وَقَدْ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ يَخْدُمُ بَعْضَ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا وَيُحِبُّهُ يُؤْثِرُ بِالْخِدْمَةِ لَهُ فَعَذَلَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى الْتِزَامِ خِدْمَتِهِ لَهُ، وَهُوَ لَا يُعْطِيهِ شَيْئًا فَكَانَ جَوَابُهُ أَنْ قَالَ: مَحْبُوبِي عِنْدَهُ.

وَقِيلَ لِآخَرَ أَيْضًا وَقَدْ رَأَوْهُ وَاقِفًا بِبَابِ عَدُوِّهِ فَعَذَلُوهُ فِي ذَلِكَ فَأَخْبَرَ بِمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ أَنَّ مَحْبُوبَهُ عِنْدَهُ، وَالْمُرِيدُ بِنِيَّتِهِ وَخَاطِرِهِ وَكُلِّيَّتِهِ رَاغِبٌ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مُتَسَبِّبٌ فِي الْوُصُولِ إلَيْهِ فَإِذَا رَأَى مَنْ هُوَ مِثْلُهُ، أَوْ أَرْفَعُ مِنْهُ قَدْ أَحْكَمَ الطَّرِيقَ وَعَرَفَهَا أَحَبَّهُ، وَالْتَزَمَهُ وَأَنِسَ بِهِ لِمَا حَصَلَ عِنْدَهُ مِنْ الْمَحَاسِنِ الْجَمِيلَةِ. فَالْحَاصِلُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يُعَظِّمُهُ لِمَا خَلَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ مِنْ الْخِلَعِ السَّنِيَّةِ الشَّاهِدَةِ لَهُ بِالْقُرْبِ مِنْ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَمِنْهُمْ مَنْ يَظْهَرُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْكَرَامَاتِ فَيَغْتَرُّ بِهَا فَيَتْلَفُ حَالُهُ بِسَبَبِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَلِّمُ بِوَاسِطَةِ أَحَدٍ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ كَمَا جَرَى لِبَعْضِ الْمُرِيدِينَ بِمَدِينَةِ فَاسَ أَنَّهُ بَاتَ لَيْلَةً فِي زَاوِيَةٍ خَارِجَ الْبَلَدِ فَطَلَعَ عَلَى سَطْحِ الزَّاوِيَةِ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ فَأَعْجَبَهُ ضَوْءُ الْقَمَرِ فَخَطَرَ لَهُ أَنْ يُجَرِّبَ نَفْسَهُ فِي الطَّيَرَانِ هَلْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَمْ لَا فَجَرَّبَ نَفْسَهُ فَطَارَ فِي الْهَوَاءِ فَدَخَلَ الْبَلَدَ مِنْ أَعْلَى سُورِهَا، وَهُوَ طَائِرٌ فَقَالَ: أَيُّ مَوْضِعٍ أَقْصِدُهُ فَوَقَعَ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ إلَى زِيَارَةِ بَعْضِ الْأَكَابِرِ مِنْ الْمَشَايِخِ فِي وَقْتِهِ فَأَتَى إلَى بَابِ دَارِهِ وَنَزَلَ وَدَقَّ الْبَابَ فَخَرَجَ إلَيْهِ الشَّيْخُ فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: فُلَانٌ.

فَقَالَ لَهُ: مَا وَجَدْتُ شَيْئًا تَأْتِينِي بِهِ إلَّا بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ؟ وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْتُكَ بَعْدَهَا أَبَدًا فَأَدَّبَهُ بِذَلِكَ وَكَانَ سَبَبُ اجْتِمَاعِهِ عَلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسَلَامَتِهِ، أَوْ كَمَا جَرَى. وَمِثْلُ هَذَا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُرِيدِينَ أَنَّهُ كَانَ يَحْضُرُ مَجْلِسَ شَيْخِهِ، ثُمَّ انْقَطَعَ فَسَأَلَ الشَّيْخُ عَنْهُ فَقَالُوا لَهُ: هُوَ فِي عَافِيَةٍ فَأَرْسَلَ خَلْفَهُ فَحَضَرَ فَسَأَلَهُ مَا الْمُوجِبُ لِانْقِطَاعِكَ فَقَالَ: يَا سَيِّدِي كُنْتُ أَجِيءُ لِكَيْ أَصِلَ، وَالْآنَ قَدْ وَصَلْتُ فَلَا حَاجَةَ تَدْعُو إلَى الْحُضُورِ فَسَأَلَهُ عَنْ كَيْفِيَّةِ وُصُولِهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ يُصَلِّي وِرْدَهُ فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: يَا بُنَيَّ وَاَللَّهِ مَا دَخَلْتُهَا أَبَدًا فَلَعَلَّكَ أَنْ تَتَفَضَّلَ عَلَيَّ فَتَأْخُذَنِي مَعَكَ لِعَلِّي أَنْ أَدْخُلَهَا كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>