يَئُولُ الْأَمْرُ مِنْ ذَلِكَ إلَى الْمَوْتِ، أَوْ إلَى أَمْرَاضٍ خَطِرَةٍ قَدْ تَطُولُ عَلَيْهِ الْمُدَّةُ بِالْعِلَلِ، ثُمَّ إنَّ بَعْضَهُمْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَفْعَلَهُ بِمَشْهَدٍ مِنْ النَّاسِ عَامَّةً، وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِطَرِيقِ الْقَوْمِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانَتْ مُطَالَبَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ مُسْتَتِرِينَ لَا يُخَالِطُهُمْ غَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَمَا قِيلَ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ إلَّا ذُو مَحْرَمٍ وَمَحْرَمُهُمْ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَعْنِي مِنْ أَصْحَابِ الْخِرْقَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ.
وَيَزِيدُ بَعْضُهُمْ حَمْلَ الْأَقْدَامِ وَيَقِفُ طَوِيلًا بِهَا يَنْتَظِرُ إقْبَالَهُمْ عَلَيْهِ. وَبَعْضُهُمْ يُبَالِغُ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَيَأْمُرُ بِكَشْفِ رَأْسِ الْجَانِي عَلَى زَعْمِهِ وَضَرْبِهِ بِالْجَمَاجِمِ، وَالْجَرِيدِ وَغَيْرِهَا وَهَذَا قُبْحٌ وَشَنَاعَةٌ أَنْ يُنْسَبَ هَذَا لِمَنْ يَدَّعِي الطَّرِيقَ، وَطَرِيقُ الْقَوْمِ غَيْرُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ إذْ إنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الصَّفْحِ وَالتَّجَاوُزِ وَالْإِغْضَاءِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي أَمْرِ الدِّينِ، فَإِنْ كَانَ فِي أَمْرِ الدِّينِ فَيَكْفِي فِيهِ الْهِجْرَانُ لَا غَيْرُ وَفِيهِ مُقْنَعٌ لِلْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَغَيْرُ هَذَا لَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ فِي شَيْءٍ.
وَطَرِيقُهُمْ أَنَّهُمْ إذَا وَقَعَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي مُخَالَفَةٍ يُطَالِبُونَهُ بِالتَّوْبَةِ وَالْإِقْلَاعِ عَمَّا وَقَعَ فِيهِ. ثُمَّ زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ اعْتِقَادَهُمْ أَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْقَوْمِ الصَّادِقِينَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَيْفِيَّةُ مَا يَفْعَلُهُ لِلصَّادِقِ مِنْهُمْ مَعَ إخْوَانِهِ إذَا اطَّلَعَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَكْرُوهِ الَّذِي وَقَعُوا فِيهِ، وَأَنَّهُ يَتَوَجَّهُ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - فِي إنْقَاذِ مَنْ وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ. وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمُطَالَبَةُ لِلشَّيْخِ آكَدُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ لِلْمُرِيدِ؛ لِأَنَّ بِغَفْلَةِ الشَّيْخِ عَنْهُ جَرَى عَلَيْهِ مَا جَرَى فَلَوْ كَانَ الشَّيْخُ يَلْحَظُهُ لَمَا قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ. أَلَا تَرَى إلَى مَا جَرَى لِسَيِّدِي أَبِي عَلِيِّ بْنِ السَّمَّاطِ شَيْخِ سَيِّدِي أَبِي مُحَمَّدٍ الْمَرْجَانِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ - تَعَالَى - أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِ جَاءَ إلَيْهِ وَطَلَبَ مِنْهُ إذْنًا أَنْ يَتَزَوَّجَ فَأَبَى عَلَيْهِ، ثُمَّ جَاءَهُ ثَانِيًا فَأَبَى عَلَيْهِ، ثُمَّ ثَالِثًا كَذَلِكَ فَقَالَ: أَزْنِي؟ قَالَ: اذْهَبْ. فَذَهَبَ الْمُرِيدُ فَأَخَذَ امْرَأَةً وَجَاءَ بِهَا إلَى بَيْتِهِ وَأَغْلَقَ الْبَابَ، وَإِذَا بِالْحَائِطِ قَدْ انْشَقَّ وَدَخَلَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ فَخَرَجَ هَارِبًا يَسِيحُ فِي الْبَرِّيَّةِ بِحَالٍ أَخَذَهُ لَا يَعْرِفُ أَيْنَ يَذْهَبُ، ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ عَقْلُهُ بَعْد ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute