حَوَّلَهُ إلَى جِهَةِ الْيَسَارِ دَارَ إلَيْهِ، ثُمَّ كَذَلِكَ، ثُمَّ كَذَلِكَ إلَى أَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ النَّوْمُ أَيْضًا كَأَصْحَابِهِ فَبَيْنَمَا هُوَ فِي النَّوْمِ إذْ رَأَى النَّاسَ يَتَجَارَوْنَ قَالَ: فَقُلْت: فَمَا بَالُ النَّاسِ؟ فَقَالُوا: هُمْ مَاشُونَ إلَى فُلَانٍ " اسْمِ الْمُحْتَضَرِ " يُهَنِّؤُنَهُ بِالْمَوْتِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَقُلْت: هَذَا صَاحِبِي فَأَسْرَعْت مَعَهُمْ لِأُهَنِّيَهُ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ يُهَنِّيهِ فَجِئْنَا إلَى بَابٍ كَبِيرٍ فَدَخَلَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ، فَدَخَلْت مَعَهُمْ، فَإِذَا بِصَاحِبِي وَاقِفٌ، وَالنَّاسُ يُهَنُّونَهُ بِالْمَوْتِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَزَاحَمْت مَعَهُمْ حَتَّى اجْتَمَعْت بِهِ فَهَنَّيْتُهُ كَمَا فَعَلَ غَيْرِي، فَأَمْسَكَ بِيَدِي وَقَالَ: آهٍ يَا فُلَانُ مَا هَذَا الْحَالُ الَّذِي فَعَلْتُمْ مَعِي تَرَكْتُمُونِي وَحِيدًا لِلشَّيَاطِينِ يَتَسَلَّمُونِي، فَقُلْت لَهُ: كُنَّا نُلَقِّنُك وَأَنْتَ تُمَعِّرُ وَجْهَك وَتُعْرِضُ عَنَّا يَمِينًا وَيَسَارًا فَقَالَ لِي: مَا عَنْكُمْ كُنْت أُعْرِضُ، وَإِنَّمَا كُنْت أُعْرِضُ عَنْ الشَّيَاطِينِ فَإِنَّهُمَا أَتَيَانِي عَلَى صِفَةِ أَبِي مِنْ جِهَةِ الْيَمِينِ وَعَلَى صِفَةِ أُمِّي مِنْ جِهَةِ الْيَسَارِ؛ فَهَذَا يَدْعُونِي إلَى دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ، وَهَذِهِ تَدْعُونِي إلَى دِينِ الْيَهُودِيَّةِ، وَكَانَ كَلَامُكُمْ يُؤْنِسُنِي وَأَسْتَوْثِقُ بِهِ، فَلَمَّا نِمْتُمْ تَسَلَّمَانِي لَكِنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعَانَنِي، فَإِنَّنِي لَمَّا أَنْ بَقِيت وَحِيدًا نَزَلَ مَلَكٌ مِنْ السَّمَاءِ وَبِيَدِهِ حَرْبَةٌ فَهَزَّهَا عَلَيْهِمَا، وَقَالَ لَهُمَا: إلَيْكُمَا عَنْ وَلِيِّ اللَّهِ فَوَلَّيَا هَارِبَيْنِ، ثُمَّ لَقَّنَنِي الشَّهَادَةَ فَقُلْتهَا فَمُتُّ عِنْدَ ذَلِكَ، وَهَؤُلَاءِ يُهَنُّونَنِي بِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيَّ، أَوْ كَمَا قَالَ، فَاسْتَفَاقَ مِنْ نَوْمِهِ فَقَامَ إلَى صَاحِبِهِ فَوَجَدَهُ قَدْ مَاتَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وَقَدْ حُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ الْمَوْتُ وَلُقِّنَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَ: لَا. فَرُئِيَ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ: كُنَّا نَقُولُ لَك: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنْتَ تَقُولُ: لَا، فَقَالَ: كَانَ إبْلِيسُ تَعَرَّضَ لِي وَقَالَ لِي: سَلِمْت مِنِّي يَا أَحْمَدُ فَقُلْت لَهُ: مَا دَامَتْ الرُّوحُ فِي الْحُلْقُومِ لَا أَسْلَمُ مِنْك، وَكَانَ ذَلِكَ جَوَابًا لَهُ لَا لَكُمْ أَوْ كَمَا قَالَ، وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ بَعَثَ اللَّهُ إلَيْهِ مَلَكَيْنِ فَقَالَ: اُنْظُرْ مَاذَا يَقُولُ لِعُوَّادِهِ، فَإِنْ هُوَ إذَا جَاءُوهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ رَفَعَا ذَلِكَ إلَى اللَّهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ فَيَقُولُ لِعَبْدِي عَلَيَّ إنْ تَوَفَّيْته أُدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ أَنَا شَفَيْته أَنْ أُبْدِلَهُ لَحْمًا خَيْرًا مِنْ لَحْمِهِ وَدَمًا خَيْرًا مِنْ دَمِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute