التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ بَاكِيهِمْ فَيَقُولُ: وَاجَبَلَاهُ وَاسَنَدَاهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ إلَّا وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ مَلَكَيْنِ يَنْتَهِرَانِهِ وَيَقُولَانِ لَهُ: أَهَكَذَا كُنْت» وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ عَمْرَةُ تَبْكِي، وَتَقُولُ: وَاجَبَلَاه وَاكَذَا وَاكَذَا تُعَدِّدُ عَلَيْهِ، فَقَالَ حِينَ أَفَاقَ: مَا قُلْتِ شَيْئًا إلَّا قِيلَ: لِي أَنْتَ كَذَا، فَلَمَّا مَاتَ لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ.
وَيَنْبَغِي لِمَنْ حَضَرَ مِنْ الرِّجَالِ أَنْ لَا يُظْهِرَ الْجَزَعَ إذْ ذَاكَ، فَإِنَّهُ إذَا ظَهَرَ ذَلِكَ مِنْهُ لِلنِّسَاءِ كَانَ سَبَبًا لِوُقُوعِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْهُنَّ فَلْيَحْذَرْ مِنْ هَذَا جُهْدَهُ مَعَ وُجُودِ الرِّفْقِ وَالشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالسِّيَاسَةِ مَعَ أَهْلِ الْمَيِّتِ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَقَامَ سَطْوَةَ الشَّرْعِ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَتْرُكُهَا لِأَجْلِ مَا نَزَلَ بِهِمْ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ قَرَّرَ مَا فِيهِ مَا قَرَّرَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَإِذَا وَجَبَتْ أَيْ مَاتَ فَلَا تَبْكِي بَاكِيَةٌ» فَلَا يَتَعَدَّى مَا حَدَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، وَمَنْ حَضَرَ مِنْ أَهْلِهِ، أَوْ غَيْرِهِمْ فَأَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ فَلَمْ يَسْمَعُوا مِنْهُ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَحْضُرَ مَا دَامَ ذَلِكَ مَوْجُودًا؛ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ بَيِّنٌ وَتَغْيِيرُهُ وَاجِبٌ مُتَعَيِّنٌ، فَإِذَا لَمْ يُسْمَعْ ذَلِكَ فَأَقَلُّ مَا يَلْزَمُهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ عَدَمُ حُضُورِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَرَاتِبِ الْإِنْكَارِ لِمَا وَرَدَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ لَمْ يُزِلْ الْمُنْكَرَ فَلْيَزُلْ عَنْهُ» ، لَكِنَّهُ إنْ كَانَ قُدْوَةً فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ حُضُورِهِ مَا وَقَعُوا فِيهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ، وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَقَعَ بِحَضْرَتِهِ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ وَكَشْفِ وُجُوهِهِنَّ وَتَسْوِيدِهَا وَتَسْوِيدِ بَعْضِ أَجْسَادِهِنَّ وَنَشْرِ الشُّعُورِ، وَالدُّعَاءِ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ، وَهُوَ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَلِبَاسِ الْأَزْرَقِ وَالسَّوَادِ، وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُنَّ مِنْ خَرْقِ قُعُورِ الْقُدُورِ السُّودِ وَجَعْلِهَا فِي حُلُوقِهِمْ وَسَكْبِ التُّرَابِ عَلَى الرُّءُوسِ وَتَلْطِيخِ الْبُيُوتِ بِالسَّوَادِ، وَمَا يَجْعَلُونَهُ فِي الْأَعْنَاقِ مِنْ السَّلَاسِلِ.
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ الْقُبْحِ إلَّا التَّفَاؤُلُ بِالسَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَالِ الَّتِي تَوَعَّدَ بِهَا أَهْلَ النَّارِ. أَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ مِنْ ذَلِكَ بِمَنِّهِ. وَتَحْفِيَتِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute