للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَحْتَ رَقَبَتِهِ حَتَّى تَصِيرَ رَأْسُهُ وَكَتِفَاهُ بِالسَّوَاءِ، ثُمَّ يَجْعَلُونَ الْقُطْنَ كَذَلِكَ عِنْدَ سَاقَيْهِ مِنْ هَاهُنَا وَمِنْ هَاهُنَا حَتَّى يَصِيرَ بَطْنُهُ وَرَأْسُهُ وَرِجْلَاهُ بِالسَّوَاءِ.

وَهَذَا الْفِعْلُ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ مُحَرَّمَيْنِ وَبِدْعَةٍ: فَالْمُحَرَّمُ الْأَوَّلُ إضَاعَةُ الْمَالِ فِي كَثْرَةِ الْقُطْنِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ.

وَالْمُحَرَّمُ الثَّانِي أَخْذُ ثَمَنِ الْقُطْنِ مِنْ مَالِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ لَهُ مِنْ تَرِكَتِهِ إلَّا قَدْرُ ضَرُورَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ غَصْبٌ لِحَقِّ الْوَارِثِ سِيَّمَا إذَا كَانَ صَغِيرًا، وَلَوْ فَرَضَ وَرَضِيَ الْوَرَثَةُ لَمُنِعَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إضَاعَةِ الْمَالِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى الْبِدْعَةِ.

وَأَمَّا الْبِدْعَةُ فَكَوْنُهُمْ اعْتَادُوا أَنْ يُخْرِجُوهُ فِي كَفَنِهِ بِالسَّوَاءِ عِنْدَ النَّاظِرِ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا مِنْ مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، وَالْمَيِّتُ يَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الْحَيُّ فَلَوْ جُعِلَ شَيْءٌ مِنْ الْقُطْنِ عَلَى وَجْهِ الْحَيِّ لَكَانَ فِيهِ شَوْهٌ وَخَرْقٌ لِحُرْمَتِهِ وَلَا يَرْضَى بِذَلِكَ، فَكَذَلِكَ يُمْنَعُ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ حُرْمَةَ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ كَحُرْمَتِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ.

وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ وَهُوَ حَيٌّ» أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.

وَذَلِكَ عَامٌّ فِي الْعَظْمِ وَغَيْرِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، فَكُلُّ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ لَا يُفْعَلُ بِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ إلَّا مَا أَذِنَ الشَّرْعُ فِيهِ، وَمَا لَمْ يَأْذَنْ الشَّرْعُ فِيهِ فَيُمْنَعُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

وَالسُّنَّةُ فِي إدْرَاجِ الْمَيِّتِ فِي كَفَنِهِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ بِحَيْثُ يُعْرَفُ رَأْسُهُ وَكَتِفَاهُ وَرِجْلَاهُ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَهُوَ فِي ثِيَابِهِ، وَهَذَا عِنْدَهُمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ عَيْبٌ عَظِيمٌ حَتَّى يَقُولَ بَعْضُهُمْ: إنَّ مَنْ غَسَلَ الْمَيِّتَ وَكَفَّنَهُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ لَا يَعْرِفُ شَيْئًا، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِمَا أَنِسَ بِهِ كَثِيرٌ مِمَّنْ يُغَسِّلُ الْمَوْتَى مِنْ ارْتِكَابِ مَا لَا يَنْبَغِي مِنْ الْبِدَعِ وَغَيْرِهَا فِي ذَلِكَ بِسَبَبِ الْعَوَائِدِ الرَّدِيئَةِ وَقِلَّةِ الْعِلْمِ، وَهَذَا وَمَا شَاكَلَهُ مِنْ مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ.

وَهَذَا هُوَ عَيْنُ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ قَالَ:: «كَيْفَ بِكَ يَا حُذَيْفَةُ إذَا تَرَكْت بِدْعَةً قَالُوا تَرَكَ سُنَّةً» وَهَا هُوَ ذَا فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ.

وَإِذَا كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>