فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَ الْجِنَازَةِ، وَالْمَسْجِدُ إنَّمَا بُنِيَ لِلصَّلَاةِ وَمَا أَشْبَهَهَا لَا لِلْجُلُوسِ فِيهِ لِانْتِظَارِ الْمَوْتَى فَيُنَزَّهُ الْمَسْجِدُ عَنْ الْجُلُوسِ فِيهِ لِغَيْرِ مَا بُنِيَ لَهُ، وَبَعْضُهُمْ يَدْخُلُ وَلَا يُصَلِّي التَّحِيَّةَ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: ٣٦] قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي مَعْنَاهُ: إنَّهَا تُغْلَقُ وَلَا تُفْتَحُ إلَّا أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ فِيهِ أَوْ انْتِظَارَهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ.
وَلْيَحْذَرْ مِمَّا يَفْعَلُهُ أَكْثَرُهُمْ مِنْ حُضُورِ الْقُرَّاءِ إذْ ذَاكَ وَيُبْسَطُ لَهُمْ حَصِيرٌ عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ بِسَاطٌ أَوْ هُمَا مَعًا فَيَجْلِسُونَ عَلَيْهَا وَيَقْرَؤُنَّ الْقُرْآنَ، وَفِي ذَلِكَ مِنْ مُخَالَفَةِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ أَشْيَاءُ. فَمِنْهَا: أَنَّ الْقُرْآنَ يُنَزَّهُ عَنْ أَنْ يُقْرَأَ فِي الطُّرُقِ وَفِي الْأَسْوَاقِ فِي مَوَاضِعِ النَّجَاسَاتِ إذْ الْغَالِبُ عَلَى الطُّرُقِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ كَثْرَةِ بَوْلِ الدَّوَابِّ وَغَيْرِهَا وَمِمَّنْ لَا يَتَحَفَّظُ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَالْقُرْآنُ يُنَزَّهُ عَنْ ذَلِكَ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الطَّرَقَاتِ مَحَلٌّ لِلْمُرُورِ فِيهَا لَا لِلْجُلُوسِ.
وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْجُلُوسِ عَلَى الطُّرُقَاتِ» فَمَنْ جَلَسَ فِيهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَهُوَ غَاصِبٌ لِذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي وَقْتِهِ ذَلِكَ، وَمَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طُوِّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى سَبْعِ أَرَضِينَ، وَهُمْ غَاصِبُونَ لِلْمَوَاضِعِ الَّتِي جَلَسُوا فِيهَا لِلْقِرَاءَةِ فِي وَقْتِهِمْ ذَلِكَ حَتَّى يَنْصَرِفُوا. وَمِنْهَا مَا يَفْعَلُهُ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَتِهِمْ مِنْ شِبْهِ الْهُنُوكِ وَالتَّرْجِيعَاتِ كَتَرْجِيعِ الْغِنَاءِ حَتَّى إنَّك إذَا لَمْ تَكُنْ حَاضِرًا مَعَهُمْ فِي مَوْضِعٍ وَتَسْمَعُهُمْ لَا تُفَرِّقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَغَانِي غَالِبًا، وَهَذَا مُشَاهَدٌ مِنْهُمْ مَرْئِيٌّ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْقَبَائِحِ لَوْ سَلِمَ مِنْ الْمُحَرَّمِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالنُّقْصَانُ مِنْهُ عَمْدًا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ، وَمِنْهَا: أَنَّهُمْ يَأْتُونَ بِالْقُرَّاءِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَكُونَ قِرَاءَتُهُمْ بِحَضْرَةِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ إذَا قُرِئَ تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ لَعَلَّ أَنْ تَعُمَّ الْمَيِّتَ وَتَعُمَّهُمْ لَكِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ضِدَّ ذَلِكَ فَيَتْرُكُونَهُمْ يَقْرَءُونَ فِي الطُّرُقِ فَيَا لِلَّهِ وَيَا لَلْعَجَبِ أَيْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute