بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ التُّرَابَ فِي عَيْنَيْهِ وَيَقُولُونَ عِنْدَ ذَلِكَ: لَا يَمْلَأُ عَيْنَ ابْنِ آدَمَ إلَّا التُّرَابُ، وَلَا فَرْقَ فِي الشَّرْعِ فِي إثْمِ فَاعِلِ ذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا بَلْ هَذَا أَشَدُّ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ التَّحَلُّلُ مِنْ الْمَيِّتِ أَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ. بَلْ يَحِلُّ الرِّبَاطَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ لَيْسَ إلَّا وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ يُغْمِضُ عَيْنَيْهِ مَهْمَا قَدَرَ. فَإِذَا أَضْجَعَهُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ فَلْتَكُنْ الْيَدُ الْيُمْنَى مِنْ الْمَيِّتِ أَمَامَهُ وَالْيُسْرَى عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ يَأْخُذُ حَجَرًا كَبِيرًا فَيُرَكِّزُهُ فِي الْأَرْضِ وَيُسْنِدُ الْمَيِّتَ بِهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ، وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى إسْنَادِ الْمَيِّتِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ بِالتُّرَابِ وَحْدَهُ دُونَ هَذَا الْحَجَرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَسْنَدَهُ بِالتُّرَابِ لَيْسَ إلَّا خَرَجَتْ الْفَضَلَاتُ فَيَتَحَلَّلُ التُّرَابُ بِنَدَاوَتِهَا فَيُسْتَلْقَى الْمَيِّتُ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَمِيلُ وَجْهُهُ عَنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ، وَالْمَقْصُودُ دَوَامُهُ مُسْتَقْبِلَهَا حَتَّى يَفْنَى أَوْ يَفْعَلَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ. ثُمَّ إذَا فَرَغَ مِنْ إسْنَادِهِ بِالْحَجَرِ جَعَلَ خَلْفَ الْحَجَرِ تُرَابًا يُسْنِدُهُ بِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَيِّتِ إلَى قَدَمِهِ وَيَكُونُ مَعَ ذَلِكَ خَاشِعًا مُتَذَلِّلًا. فَإِنْ كَانَ الْقَبْرُ حَجَرًا صُلْبًا لَيْسَ فِيهِ تُرَابٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤْتَى بِالرَّمَلِ فَيَفْرِشَ تَحْتَ الْمَيِّتِ لِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ بَقِيَ دُونَهُ انْمَاعَ فِي قَبْرِهِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الرَّمْلِ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا. وَهَذَا بِخِلَافِ أَنْ لَوْ كَانَ الْقَبْرُ سَبِخًا أَوْ تُرَابًا، فَإِنَّ الْإِتْيَانَ بِالرَّمْلِ بِدْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِخِلَافِ مَا اعْتَادَهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَهُوَ أَنَّهُمْ يَأْتُونَ بِهِ فَيَفْرِشُوهُ تَحْتَهُ لِغَيْرِ الضَّرُورَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا، وَهُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ.
فَإِذَا فَرَغَ مِنْ كُلِّ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي لَحْدِ الْمَيِّتِ فَلْيَتَرَبَّصْ قَلِيلًا قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي سَدِّ اللَّحْدِ عَلَى الْمَيِّتِ لِيَتَذَكَّرَ حِينَئِذٍ هَلْ نَسِيَ شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ وَصْفُهُ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَعْلَمُ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ كَانَ أَوْلَى، فَمَنْ نَسِيَ مِنْهُمَا لَعَلَّ الْآخَرَ يَذْكُرُهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ فِي سَدِّ اللَّحْدِ، وَيَمْتَثِلُ السُّنَّةَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ مَعَ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا وَضَعَ الْمَيِّتَ فِي قَبْرِهِ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَاسْتَحَبَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute