للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَشَفُوا وَمَا هُوَ فِيهِ مِنْ النَّتْنِ وَالدُّودِ وَغَيْرِهِمَا، حَتَّى لَقَدْ حُكِيَ أَنَّ امْرَأَةً نَزَلَتْ فَسْقِيَّةً لِوَضْعِ مَيِّتٍ لَهَا فِيهَا فَوَجَدَتْ ابْنَةً لَهَا كَانَتْ قَدْ دُفِنَتْ مِنْ مُدَّةٍ فَرَأَتْ رَأْسَهَا وَوَجْهَهَا يَغْلِيَانِ دُودًا فَذَهَبَ عَقْلُهَا، وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ بَابَ الْفَسْقِيَّةِ ضَيِّقٌ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ مَرْئِيٌّ وَتُحْبَسُ فِيهِ الرَّوَائِحُ الْكَرِيهَةُ، فَإِذَا فُتِحَ لِجَعْلِ مَيِّتٍ آخَرَ، وَكَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ مِمَّنْ قَبْلَهُ خَرَجَتْ تِلْكَ الرَّوَائِحُ الْكَرِيهَةُ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ طَرِيًّا فَآذَتْ كُلَّ مَنْ حَضَرَ الْجِنَازَةَ.

وَأَمَّا مَنْ يَنْزِلُ إلَيْهَا فَإِنَّهُ يَجِدُ مِنْ الْكُلْفَةِ وَالْمَشَقَّةِ النِّهَايَةَ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِمَرَضِهِ أَوْ مَوْتِهِ أَوْ هُمَا مَعًا.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّهُمْ يُدْخِلُونَهُ مَنْكُوسًا عَلَى رَأْسِهِ: وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْقُبْحِ حِينَ إدْخَالِ الْمَيِّتِ الْقَبْرَ، فَهُوَ فِي الْفَسْقِيَّةِ أَجْدَرُ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّ بَابَهَا أَضْيَقُ مِنْ الشِّقِّ الَّذِي يَعْمَلُونَهُ فِي الْقَبْرِ.

الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِيمَنْ أَلْحَدَ مَيِّتًا وَسَقَطَتْ مِنْهُ فِي الْقَبْرِ نَفَقَةٌ أَوْ لُؤْلُؤَةٌ أَوْ شَيْءٌ لَهُ قِيمَةٌ كَبِيرَةٌ فَلَمْ يَذْكُرْهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ أُهِيلَ عَلَيْهِ التُّرَابُ أَوْ بَعْضُهُ هَلْ يَكْشِفُ مَا أُهِيلُ عَلَيْهِ مِنْ التُّرَابِ وَيَأْخُذُ مَا سَقَطَ مِنْهُ «؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ» ، وَتَرْكُهُ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ أَوْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ كَشْفًا عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ مُوَارَاتِهِ بِالتُّرَابِ، وَذَلِكَ خَرْقٌ لِحُرْمَتِهِ وَلِمَا يُخْشَى أَنْ يَكُونَ قَدْ تَغَيَّرَ حَالُهُ إلَى أَمْرٍ مُغَيَّبٍ عَنَّا فَيَكْشِفُ عَلَيْهِ وَيَنْتَهِكُ سِتْرَهُ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ.

فَإِذَا كَانَ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَنْ سَقَطَ مِنْهُ شَيْءٌ لَهُ قِيمَةٌ كَبِيرَةٌ فَمَا بَالُك بِمَنْ يُكْشَفُ عَنْهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ، فَهَذَا أَجْدَرُ بِالْمَنْعِ.

الْوَجْهُ السَّادِسُ: مَا فِيهِ مِنْ الْقُبْحِ بِهَتْكِ السِّتْرِ عَمَّنْ فِيهَا، وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ تِلْكَ الْفَسْقِيَّةِ قَدْ يَتَغَيَّرُونَ عَنْ آخِرِهِمْ، وَهُوَ الْغَالِبُ، وَيَنْكَشِفُونَ فَيَبْقَوْنَ عُرَاةً بِمَرْأًى مِمَّنْ يَمُرُّ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّاسِ، وَذَلِكَ كَشْفَةٌ لَهُمْ وَهَتْكٌ لِحُرْمَتِهِمْ، وَهَذَا مَوْجُودٌ ظَاهِرٌ. حَتَّى لَقَدْ رُئِيَ بَعْضُ أَهْلِ الْفَسَاقِيِ، وَحِمَارٌ مَيِّتٌ قَدْ طُرِحَ عَلَيْهِمْ. فَانْظُرْ بِعَيْنِ الْإِنْصَافِ مَا أَشْنَعَ هَذَا وَأَقْبَحَهُ عَلَى مُقْتَضَى الْعَقْلِ، فَكَيْفَ وَالشَّرِيعَةُ قَدْ نَهَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>