لَأَنْ أَجْلِسَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ مِنْ غُدْوَةٍ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ أَحَبُّ إلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ) .
وَقَالَ: هُمْ يَتَحَلَّقُونَ الْحِلَقَ وَيَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ وَالْفِقْهَ هَذَا تَفْسِيرُ خَادِمِ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ يُقَابِلُهُ تَفْسِيرُ مُتَأَخِّرِي هَذَا الزَّمَانِ؟ وَرُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَا يَزَالُ الْفَقِيهُ يُصَلِّي قِيلَ: وَكَيْفَ ذَلِكَ قَالَ: لَا تَلْقَاهُ إلَّا وَذِكْرُ اللَّهِ عَلَى لِسَانِهِ يُحِلُّ حَلَالًا وَيُحَرِّمُ حَرَامًا.
قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ ظَفِرْت بِهَذَا الْمَعْنَى فِي كِتَابِ اللَّهِ الْمُهَيْمِنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِهَارُونَ وَمُوسَى لَمَّا بَعَثَهُمَا إلَى فِرْعَوْنَ {وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} [طه: ٤٢] فَسَمَّى تَبْلِيغَ الرِّسَالَةِ ذِكْرًا فَعَلَى هَذَا يَتَحَقَّقُ أَنَّ حِلَقَ الْعِلْمِ وَمَا يَتَحَاوَرُونَ فِيهِ فِي الْعِلْمِ وَيَتَرَاجَعُونَ مِنْ سُؤَالٍ وَجَوَابٍ أَنَّهَا حِلَقُ الذِّكْرِ، وَهَذَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} [النحل: ٤٣] يَعْنِي أَهْلَ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ.
نَقَلَ ذَلِكَ الطُّرْطُوشِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الذِّكْرِ لَهُ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي لِلْعَالَمِ الْيَوْمَ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَنْظُرُ إلَى الْعَوَائِدِ الَّتِي اصْطَلَحْنَا عَلَيْهَا وَلَا لِكَوْنِ سَلَفِنَا مَضَوْا عَلَيْهَا إذْ قَدْ يَكُونُ فِي بَعْضِهَا غَفْلَةٌ أَوْ غَلَطٌ أَوْ سَهْوٌ وَلَكِنْ يُنْظَرُ إلَى الْقُرُونِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا، فَإِنْ فَعَلَ هُوَ مِنْهَا شَيْئًا مِمَّا يَرَاهُ مَصْلَحَةً فِي وَقْتِهِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ وَيَعْتَرِفَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُ مُحْدِثٌ وَيُبَيِّنَ السَّبَبَ الَّذِي لِأَجْلِهِ فَعَلَ ذَلِكَ.
قَدْ كَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَرْجَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَأْخُذُ هَذِهِ الْأَحْزَابَ وَيَقْرَؤُهَا جَمَاعَةً وَيَذْكُرُهَا جَمَاعَةً بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ دَأْبُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى مَوْتِهِ وَكَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُخْبِرُ أَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ لِضَرُورَةٍ، وَهِيَ أَنَّ الْهِمَمَ قَدْ قَلَّتْ وَقَلَّ فَقِيرٌ أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ أَوْ الْعَصْرَ ثُمَّ يَقُومُ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَقْرَأُ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ الْمَشْهُودَيْنِ إلَّا أَنَّهُمْ يَقُومُونَ مِنْ مُصَلَّاهُمْ إمَّا لِلنَّوْمِ إنْ كَانَ فِي الصُّبْحِ أَوْ لِلتَّحَدُّثِ فِيمَا لَا يَعْنِي إنْ كَانَ فِي الْعَصْرِ إنْ سَلِمُوا مِنْ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ فَلَمَّا أَنْ تَحَقَّقُوا وُقُوعَ هَذَا الْمَحْذُورِ وَدَعَوْهُ لِهَذَا الْمَكْرُوهِ؛ لِأَنَّ ارْتِكَابَ الْمَكْرُوهَاتِ أَوْلَى بَلْ أَوْجَبُ مِنْ ارْتِكَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute