للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ لَا يَخْرُجُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ إلَّا وَيَجِدُ فِيهِ مَا هُوَ مِثْلُ مَا خَرَجَ عَنْهُ أَوْ يَزِيدُ عَلَيْهِ، فَلَا فَائِدَةَ إذَنْ فِي خُرُوجِهِ إلَّا حُصُولُ التَّعَبِ وَالنَّصَبِ وَالِاسْتِشَارَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُبَدِّدُ وَيَمْنَعُهُ مِنْ جَمْعِ خَاطِرِهِ وَالدَّأْبِ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالنَّظَرِ فِي خَلَاصِ مُهْجَتِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَالْعَزْمُ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ يُوجِبُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَغَيْرُهُ. فَالْحَاصِلُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْعَازِمَ عَلَى الِانْتِقَالِ فِي هَذَا الزَّمَانِ يُعَوَّضُ عَنْ ذَلِكَ رُسُومُ بَيْتِهِ وَتَرْكُ الْخَوْضِ فِيمَا هُمْ بِصَدَدِهِ غَيْرَ مُفَارِقٍ لِجَمَاعَتِهِمْ فَيَحْصُلُ لَهُ بِذَلِكَ بَرَكَةُ امْتِثَالِ السُّنَّةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «نِعْمَ الصَّوَامِعُ بُيُوتُ أُمَّتِي» ، فَإِذَا امْتَثَلَ مَا أَمَرَ بِهِ صَاحِبُ الشَّرْعِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ سَلِمَ مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ كُلِّهَا وَكَأَنَّهُ غَائِبٌ عَنْهُمْ فَلَمْ يَضُرَّهُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَرَكَةِ نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَيْءٌ مِمَّا هُمْ فِيهِ، بَلْ يَكْثُرُ أَجْرُهُ وَيَعْلُو أَمْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ بِحَسَبِ مَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ مِنْ الْقَلِقِ وَالِانْزِعَاجِ عِنْدَ رُؤْيَةِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَوْ سَمَاعِهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُلَازِمٌ لِطَاعَةِ رَبِّهِ مُمْتَثِلٌ سُنَّةَ نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُزَعْزِعْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، بَلْ يَرَى ذَلِكَ غَنِيمَةً بَارِدَةً سِيقَتْ لَهُ فَيَغْتَنِمُهَا وَيَشْكُرُ اللَّهَ عَلَى مَا حَبَاهُ مِنْهَا. لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْعَمَلُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ مَعِي» ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: الشُّكْرُ عَلَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْبِشَارَةِ مِنْ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلْوَالِدَيْنِ يَكُونُ أَنَّ عَمَلَهُمَا لَا يَنْقَطِعُ وَإِنْ مَاتَا؛ لِأَنَّ وَلَدَهُمَا مِنْ سَعْيِهِمَا وَآثَارِهِمَا، فَإِنْ كَانَ صَالِحًا فَبَخٍ عَلَى بَخٍ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَمَا فَعَلَ مِنْ خَيْرٍ حَصَلَ الثَّوَابُ لِوَالِدَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ، وَمَا فَعَلَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَصِلُ إلَيْهِمَا مِنْهُ شَيْءٌ ثُمَّ كَذَلِكَ فِي وَلَدِ الْوَلَدِ إلَى مُنْتَهَى انْقِرَاضِهِمْ. وَهَذَا خَيْرٌ عَظِيمٌ وَنِعْمَةٌ شَامِلَةٌ يَتَعَيَّنُ الشُّكْرُ عَلَيْهَا. لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «قَيِّدُوا النِّعَمَ بِالشُّكْرِ» ، فَانْظُرْ إلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ مَا أَكْمَلَهَا وَأَعْظَمَهَا إلَى ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي يَتَعَيَّنُ الشُّكْرُ عَلَيْهَا فَقَابَلُوهَا بِضِدِّهَا كَمَا تَقَدَّمَ قَبْلُ.

وَيَتَعَيَّنُ عَلَى وَلِيِّ الْمَوْلُودِ

<<  <  ج: ص:  >  >>