للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْرُوفًا وَمَنْسُوبًا إلَى تَرْبِيَةِ الْمُرِيدِينَ وَتَسْلِيكِهِمْ وَتَرَقِّيهمْ فِي الْمَقَامَاتِ وَالْأَحْوَالِ وَالْمُنَازَلَاتِ خَافَ أَنْ يُنْسَبَ مَا يُفْتِي بِهِ مِنْ الْفِقْهِ إلَى مَا كَانَ بِصَدَدِهِ مِنْ التَّرْبِيَةِ فَتَرَكَ الْمَنْدُوبَ، وَهُوَ الْفَتْوَى فِيمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ تَحَفُّظًا مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يُنْسَبَ شَيْءٌ مِنْ الشَّرِيعَةِ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ الَّذِي عَنْهُ يُؤْخَذُ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ، وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي تَحَفَّظَ مِنْهُ هَذَا السَّيِّدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ الَّذِي أَفْسَدَ الْيَوْمَ كَثِيرًا مِنْ أَحْوَالِ بَعْضِ أَهْلِ الْوَقْتِ تَجِدُ أَحَدَهُمْ يَعْمَلُ الْبِدْعَةَ وَيَتَهَاوَنُ بِهَا فَتَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ أَوْ تُرْشِدُهُ إلَى التَّرْكِ فَيَسْتَدِلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ السُّنَّةُ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ لِكَوْنِهِ رَأَى شَيْخَهُ وَمَنْ يَعْتَقِدُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ فَيَقُولُ: كَيْفَ يَكُونُ مَكْرُوهًا أَوْ بِدْعَةً.

وَقَدْ كَانَ سَيِّدِي فُلَانٌ يَعْمَلُهَا؟ فَيَسْتَدِلُّ بِفِعْلِ سَلَفِهِ وَخَلْفِهِ وَشُيُوخِهِ عَلَى جَوَازِ تِلْكَ الْبِدْعَةِ، وَأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ فَصَارَ فِعْلُ الْمَشَايِخِ حُجَّةً عَلَى مَا تَقَرَّرَ بِأَيْدِينَا مِنْ أَمْرِ الشَّرِيعَةِ وَلَيْسُوا بِمَعْصُومِينَ وَلَا مِمَّنْ شَهِدَ لَهُمْ صَاحِبُ الْعِصْمَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ. وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ مَرْدُودٌ إذْ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ جَازَ لَوَقَعَ الْخَلَلُ فِي الشَّرِيعَةِ بِسَبَبِهِ فَأَيٌّ مَنْ اسْتَحْسَنَ شَيْئًا وَفَعَلَهُ وَأَيٌّ مَنْ كَرِهَ شَيْئًا وَتَرَكَهُ يَقَعُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ؟ فَيَكُونُ ذَلِكَ نَقْصًا مَعَاذَ اللَّهِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يَبْقَ بِأَيْدِينَا الْيَوْمَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، وَقَدْ عَصَمَ اللَّهُ هَذِهِ الْمِلَّةَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِنْ التَّبْدِيلِ فَكُلُّ مَنْ أَتَى بِشَيْءٍ مُخَالِفٍ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مُتَقَدِّمُو هَذِهِ الْأُمَّةِ وَسَلَفُهَا فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ مَحْجُوجٌ بِفِعْلِهِمْ وَبِمَا نُقِلَ عَنْهُمْ.

وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَذْهَبَ شَرِيعَةَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَعْنِي التَّقْلِيدَ لِأَحْبَارِهِمْ وَرُهْبَانِهِمْ دُونَ دَلِيلٍ يَدُلُّهُمْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى صَارَ أَمْرُهُمْ أَنَّهُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مِنْ الْأَحَدِ إلَى الْأَحَدِ يُجَدِّدُ لَهُمْ الْقِسِّيسُ شَرِيعَةً جَدِيدَةً بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ لَهُمْ مِنْ الْمَصْلَحَةِ فِي وَقْتِهِ عَلَى مَا يَقْتَضِيه نَظَرُهُ وَتَسْدِيدُهُ عَلَى زَعْمِهِ فَتَجِدُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ كَنَائِسِهِمْ وَهُمْ يَقُولُونَ لَقَدْ جَدَّدَ الْيَوْمَ شَرِيعَةً مَلِيحَةً، وَقَدْ عَصَمَ اللَّهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ هَذَا الدَّاءِ الْعُضَالِ فَإِنَّهُ سُمٌّ قَاتِلٌ مَغْفُولٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>