فَقَالَ لَهُ ابْنُ وَاسِعٍ: أَنْتُمْ شَهَرْتُمُونَا هَكَذَا كَانَ لِبَاسُ مَنْ مَضَى وَإِنَّمَا أَنْتُمْ طَوَّلْتُمْ ذُيُولَكُمْ فَصَارَتْ السُّنَّةُ بَيْنَكُمْ بِدْعَةً وَشُهْرَةً وَالْوَاسِعُ الطَّوِيلُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ هُوَ السُّنَّةُ فَعَكَسُوا الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ؛ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ.
وَكَذَلِكَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُفَصِّلَ ثَوْبًا لِجِنْدَارٍ أَوْ ظَالِمٍ وَمَا أَشْبَهَهَا وَلَا يَخِيطُهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَعَانَهُمْ عَلَى مَا يَتَعَاطَوْنَهُ فَيَكُونُ شَرِيكًا لَهُمْ فِي الْإِثْمِ بِسَبَبِ الْإِعَانَةِ لَهُمْ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فَبِهِ إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ أَقَلَّ مَرَاتِبَ الْإِنْكَارِ وَهُوَ التَّغْيِيرُ بِالْقَلْبِ فَإِنَّهُ إذَا بَاشَرَهُمْ فَلَا بُدَّ مِنْ رَدِّ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ وَكَلَامِهِمْ وَذَلِكَ يُخْرِجُهُ عَنْ الْهِجْرَانِ الْمُتَعَيَّنِ عَلَيْهِ وَأَيْضًا فَإِنَّ مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ الدُّنْيَا سُحْتٌ وَهُوَ يَتْعَبُ فِي صَنْعَتِهِ لِيَأْكُلَ الْحَلَالَ فَكَيْفَ يَأْخُذُ الْحَرَامَ الْبَيِّنَ فِي أُجْرَتِهِ فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهِ التَّعَبُ وَأَكْلُ الْحَرَامِ.
وَأَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ مَا يَقَعُ لِبَعْضِهِمْ فِي اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ يَأْكُلُ الْحَلَالَ بِسَبَبِ صَنْعَتِهِ وَهُوَ يَعْمَلُهَا لِمَنْ هَذَا حَالُهُ فَإِنْ اضْطَرَّ إلَى الْخِيَاطَةِ لِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَوْ غُصِبَ عَلَيْهَا فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يُوَسِّعَ الْحِيلَةَ فِي أَخْذِ أُجْرَتِهِ مِنْ غَيْرِ كَسْبِهِمْ مِثْلَ أَنْ يَتَدَايَنُوا وَيَدْفَعُوا لَهُ أُجْرَتَهُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ يُحِيلُوهُ بِهَا عَلَى مَنْ هُوَ مُسْتَتِرٌ بِلِسَانِ الْعِلْمِ فِيمَا بِيَدِهِ.
وَهَذَا إذَا كَانَ مَالُ الظَّالِمِ كُلُّهُ حَرَامًا فَإِنْ كَانَ مُخْتَلِطًا فَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ لَكِنْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَيَّلَ فِي أَخْذِ أُجْرَتِهِ مِنْ الْجِهَةِ الْمَسْتُورَةِ بِالْعِلْمِ كَمَا تَقَدَّمَ فَهُوَ أَبْرَكُ وَأَنْجَحُ لِعَمَلِهِ وَسَعْيِهِ وَمِنْ آكَدِ مَا يَجْتَنِبُهُ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يَخِيطَ لِمُقَدِّمٍ وَمَنْ فَوْقَهُ وَمَنْ دُونَهُ مِمَّنْ يُشْبِهُهُمْ فِي كَثْرَةِ الضَّرَرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَتَرْكِ الشَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ
وَمِنْ آكَدِهَا أَيْضًا أَنْ لَا يُفَصِّلَ وَلَا يَخِيطَ ثَوْبًا لِامْرَأَةٍ يَتَّهِمُهَا بِالْبِغَاءِ أَوْ مَنْ هِيَ مَعْرُوفَةٌ بِهِ فَإِنَّ فِيهِ إعَانَةً لَهَا عَلَى الزِّنَا لِكَوْنِهَا تَتَجَمَّلُ بِلُبْسِ ذَلِكَ لِغَيْرِ زَوْجِهَا.
أَلَا تَرَى إلَى مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «إنَّ الْعَرْشَ يَهْتَزُّ لِنُطْفَةٍ وَقَعَتْ فِي حَرَامٍ» أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلْيَتَحَفَّظْ مِنْ هَذَا جَهْدَهُ.
وَكَذَلِكَ لَا يَخِيطُ لِمَنْ كَانَتْ مُتَبَرِّجَةً مِنْ النِّسَاءِ مُظْهِرَةً لِلزِّينَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُعْرَفُ بِالزِّنَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إعَانَةٌ لَهَا عَلَى الْحَرَامِ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّجَ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ وَيَجُرُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute