بَالُك بِالصَّلَاةِ عَلَى السَّجَّادَاتِ الَّتِي تُعْمَلُ مِنْ النَّصَافِي وَشَبَهِهَا وَأَقَلُّ مَرَاتِبِهِ أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا وَالْإِعَانَةُ عَلَى فِعْلِ الْمَكْرُوهِ يَكُونُ مَكْرُوهًا فَلَا يُعِينُ بِخِيَاطَتِهِ عَلَى فِعْلِ الْمَكْرُوهِ سِيَّمَا إنْ كَانَتْ مَخِيطَةً عَلَى تَرْتِيبِ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا الْوَقْتِ مِنْ جَعْلِ الْقِبْلَةِ وَتَضْرِيبِهَا؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ مَحَلُّ تَوَاضُعٍ وَخُشُوعٍ وَذِلَّةٍ وَمَسْكَنَةٍ لَا حَالَ فَخْرٍ وَخُيَلَاءَ وَتَنَعُّمٍ، حَتَّى إنَّهُ لَيُعْطِي بَعْضُهُمْ فِي خِيَاطَةِ السَّجَّادَةِ الْوَاحِدَةِ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ خِرْقَتِهَا.
وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَنِبَ خِيَاطَةَ دُلُوقِ الشُّهْرَةِ وَالْمُرَقَّعَاتِ الَّتِي اتَّخَذَهَا بَعْضُ النَّاسِ كَأَنَّهَا دَكَاكِينُ فَتَجِدُ بَعْضُهُمْ يَأْخُذُ خِرَقًا جُمْلَةً مُخْتَلِفَةَ الْأَلْوَانِ أَبْيَضَ وَأَصْفَرَ وَأَخْضَرَ وَأَحْمَرَ وَأَسْوَدَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَيُرَتِّبُونَهَا وَاحِدَةً بِجَنْبِ الْأُخْرَى وَبَعْضُهُمْ يَتَغَالَى فِي تِلْكَ الْمُرَقَّعَاتِ فَيَجْعَلُهَا مِنْ الْقُمَاشِ الرَّفِيعِ الْفَاخِرِ الَّذِي لِتَفْصِيلِهِ ثَمَنٌ كَثِيرٌ فَيَقْطَعُونَهَا خِرْقَةً خِرْقَةً لِأَجْلِ غَرَضِ الشُّهْرَةِ الْمَمْنُوعَةِ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ فَانْظُرْ - رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ - إلَى صِفَةِ هَذِهِ الْمُرَقَّعَةِ أَيُّ شَبَهٍ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مُرَقَّعَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الَّتِي كَانَ فِيهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ رُقْعَةً أَحَدُهَا مِنْ أُدْمٍ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ مَرَاقِي الزُّلْفَى لَهُ وَقَدْ رَقَّعَ الْخُلَفَاءُ ثِيَابَهُمْ قَالَ: وَذَلِكَ مِنْ شِعَارِ الصَّالِحِينَ وَسُنَنِ الْمُتَّقِينَ قَالَ وَأَخْطَأَتْ الصُّوفِيَّةُ فِي ذَلِكَ فَجَعَلَتْهُ فِي الْجَدِيدِ وَأَنْشَأَتْهُ مُرَقَّعَاتٍ مِنْ أَصْلِهِ وَهَذَا دَاخِلٌ فِي بَابِ الرِّيَاءِ، قَالَ: وَالْمَقْصُودُ بِالتَّرْقِيعِ اسْتِدَامَةُ الِانْتِفَاعِ بِالثَّوْبِ عَلَى هَيْئَتِهِ أَوْ يَكُونُ رَافِعًا لِلْعُجْبِ، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الْمَعْنَى:
لَيْسَ التَّصَوُّفُ لُبْسَ الصُّوفِ تُرَقِّعُهُ ... وَلَا بُكَاؤُك إنْ غَنَّى الْمُغَنُّونَا
وَلَا صِيَاحٌ وَلَا رَقْصٌ وَلَا طَرَبٌ ... وَلَا ارْتِعَاشٌ كَأَنْ قَدْ صِرْت مَجْنُونًا
بَلْ التَّصَوُّفُ أَنْ تَصْفُوَ بِلَا كَدَرٍ ... وَتَتْبَعَ الْحَقَّ وَالْقُرْآنَ وَالدِّينَا
وَأَنْ تُرَى خَاشِعًا لِلَّهِ مُكْتَئِبًا ... عَلَى ذُنُوبِك طُولَ الدَّهْرِ مَحْزُونًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute