الَّتِي اعْتَادَهَا بَعْضُ مَنْ يَنْسُبُ إلَى الْخِرْقَةِ فِي كَوْنِهِمْ يَعْمَلُونَ الْجُمْجُمَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَلَا خَفَاءَ فِي تَحْرِيمِ هَذَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ السَّرَفِ وَالْبِدْعَةِ وَالْخُيَلَاءَ؛ لِأَنَّهُ يَجِدُ مَا يُعَوِّضُ عَنْهُ بِدِرْهَمَيْنِ إلَى سَبْعَةٍ إلَى عَشْرَةٍ وَهُوَ كَثِيرٌ سِيَّمَا وَمَنْ يَفْعَلُ هَذَا مَنْسُوبٌ فِي الظَّاهِرِ إلَى الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَالتَّقَلُّلِ مِنْهَا وَتَرْكِ الْمُبَالَاةِ بِهَا وَصَرْفِهَا فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ وَالْبِرِّ وَمَا يَفْعَلُهُ مَنْ لَبِسَ الْجُمْجُمَ الْمُتَقَدِّمَ ذِكْرُهُ ضِدَّ هَذَا سَوَاءً بِسَوَاءٍ؛ لِأَنَّ مَنْ يَكُونُ ثَمَنُ قَدَمِهِ بِهَذَا الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى لُبْسِ مَا يُنَاسِبُهُ عَلَى بَدَنِهِ ثُمَّ كَذَلِكَ فِي الْمَطْعَمِ وَالْمَسْكَنِ وَالزَّوْجَةِ وَالْخَادِمِ غَالِبًا فَصَارَ بِسَبَبِ ذَلِكَ يَسْتَقِلُّ مَا يَأْتِيه مِنْ الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لِأَجْلِ مَا اعْتَادَهُ مِنْ هَذِهِ الْوَظَائِفِ فَالْحَاصِلُ فِي حَقِّ الصَّانِعِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَرَاتِبِ النَّاسِ وَتَحْصِيلِهَا إمَّا بِالتَّعَلُّمِ أَوْ بِالسُّؤَالِ عَنْهَا وَهِيَ مُنْحَصِرَةٌ فِي خَمْسَةِ أَقْسَامٍ: وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ وَمُبَاحٌ وَمَكْرُوهٌ وَمُحَرَّمٌ.
فَمَا كَانَ مِنْهَا وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا فَيَفْعَلُهُ بِنِيَّةِ الْإِعَانَةِ عَلَى فِعْلِ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ؛ فَيَكُونُ شَرِيكًا لِفَاعِلِهِمَا فِي الثَّوَابِ.
وَأَمَّا الْمُبَاحُ فَيَفْعَلُهُ بِنِيَّةِ قَضَاءِ حَوَائِجِ إخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ فَيَصِيرُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ قُرْبَةً ثُمَّ يَصْحَبُهُ بِنِيَّةِ الْإِيمَانِ وَالِاحْتِسَابِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ فَيَعْمَلُ عَلَى تَرْكِهِ جَهْدَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ ارْتَكَبَهُ كَانَ ذَرِيعَةً إلَى ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ.
وَأَمَّا الْمُحَرَّمُ فَلَا يَقْرَبُهُ أَصْلًا بَلْ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حَاجِزٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الْوُقُوعِ فِيهِ وَهُوَ تَرْكُ الْمَكْرُوهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ مَرَاقِي الزُّلْفَى لَهُ فَالْوَاجِبُ مِنْ اللِّبَاسِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى سَتْرُ الْعَوْرَةِ عَنْ أَبْصَارِ الْخَلْقِ وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ النَّاسِ وَفِي النِّسَاءِ آكَدُ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَرْضٌ إسْلَامِيٌّ وَالْوَاجِبُ مِنْهُ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ مَا يَقِي مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَيَسْتَدْفِعُ بِهِ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ حَتَّى فِي الْحَرْبِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ.
وَأَمَّا الْمَنْدُوبُ إلَيْهِ لِحَقِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ كَالرِّدَاءِ لِلْإِمَامِ وَالْخُرُوجِ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute