للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِإِحْرَامِهِ بِالصَّلَاةِ أَلَا تَرَى إلَى الْإِشَارَةِ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ إلَى أَنَّهُ خَلَفَ الدُّنْيَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ وَأَقْبَلَ عَلَى مَوْلَاهُ يُنَاجِيهِ.

ثُمَّ مَا فِيهَا مِنْ الْخُضُوعِ وَالنَّدَمِ وَالتَّذَلُّلِ بَيْنَ يَدَيْ الْمَوْلَى الْكَرِيمِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا احْتَوَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعَانِي الْجَلِيلَةِ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ ذِكْرِهَا.

فَلَمَّا أَنْ فَرَغَ مِنْ تَحْصِيلِ هَذِهِ الْفَضَائِلِ الْجَمَّةِ حِينَئِذٍ أَمَرَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالدُّعَاءِ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي صَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ بِ " قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ " وَفِي الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ بِ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " فَإِنْ قَرَأَ بِغَيْرِهِمَا مِنْ السُّوَرِ فَذَلِكَ وَاسِعٌ ثُمَّ اُنْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ إلَى تِلْكَ الْأَلْفَاظِ الْجَلِيلَةِ الَّتِي شَرَعَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأُمَّتِهِ لِيُرْشِدهُمْ إلَى مَصَالِحِهِمْ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ.

فَأَوَّلُهَا «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ» فَقَوْلُهُ: اللَّهُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي مَعْنَاهُ: أَسْأَلُكَ بِجَمِيعِ مَا سُئِلْت بِهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا نُقِلَ أَنَّهُ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي تَرْجِعُ إلَيْهِ جَمِيعُ الْأَسْمَاءِ.

وَقَوْلُهُ «إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ» أَيْ بِعِلْمِكَ الْقَدِيمِ الْكَامِلِ لَا بِعِلْمِي أَنَا الْمَخْلُوقُ الْقَاصِرُ فَمَنْ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَبِّهِ اخْتَارَ لَهُ مَا يَصْلُحُ وَقَوْلُهُ «وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ» أَيْ بِقُدْرَتِكَ الْقَدِيمَةِ الْأَزَلِيَّةِ لَا بِقُدْرَتِي أَنَا الْمَخْلُوقَةِ الْمُحْدَثَةِ الْقَاصِرَةِ.

فَمَنْ تَعَرَّى عَنْ قُدْرَةِ نَفْسِهِ وَكَانَتْ قُدْرَتُهُ مَنُوطَةً بِقُدْرَةِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعَ السُّكُونِ وَالضَّرَاعَةِ إلَيْهِ فَلَا شَكَّ فِي وُجُودِ الرَّاحَةِ لَهُ إمَّا عَاجِلًا أَوْ آجِلًا أَوْ هُمَا مَعًا.

وَأَيُّ رَاحَةٍ أَعْظَمُ مِنْ الِانْسِلَاخِ مِنْ عَنَاءِ التَّدْبِيرِ وَالِاخْتِيَارِ وَالْخَوْضِ بِفِكْرَةِ عَقْلِهِ فِيمَا لَا يَعْلَمُ عَاقِبَتَهُ.

وَقَوْلُهُ «وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ» فَمَنْ تَوَجَّهَ بِالسُّؤَالِ إلَى مَوْلَاهُ دُونَ مَخْلُوقٍ وَاسْتَحْضَرَ سَعَةَ فَضْلِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ وَنَزَلَ بِسَاحَةِ كَرَمِهِ فَلَا شَكَّ فِي نَجْحِ سَعْيِ مَنْ هَذَا حَالُهُ إذْ فَضْلُ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَجَلُّ وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ إلَى قَانُونٍ مَعْلُومٍ وَتَقْدِيرٍ.

وَقَوْلُهُ «فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ» فَمَنْ تَبَرَّأَ وَانْخَلَعَ مِنْ تَدْبِيرِ نَفْسِهِ وَحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ وَرَجَعَ بِالِافْتِقَارِ إلَى مَوْلَاهُ الْكَرِيمِ الَّذِي لَا يُعْجِزُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>