للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ.

وَالِاسْتِخَارَةُ وَالِاسْتِشَارَةُ بَرَكَتُهُمَا ظَاهِرَةٌ بَيِّنَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الِامْتِثَالِ لِلسُّنَّةِ وَالْخُرُوجِ عَمَّا يَقَعُ فِي النُّفُوسِ مِنْ الْهَوَاجِسِ وَالْوَسَاوِسِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ.

وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ أَدَبِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَمِنْ الْحَزْمِ لِكُلِّ ذِي لُبٍّ أَنْ لَا يُبْرِمَ أَمْرًا وَلَا يُمْضِيَ عَزْمًا إلَّا بِمَشُورَةِ ذِي الرَّأْيِ النَّاصِحِ وَمُطَالَعَةِ ذِي الْعَقْلِ الرَّاجِحِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْمَشُورَةِ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ مَا تَكَفَّلَ بِهِ مِنْ إرْشَادِهِ وَعَوْنِهِ وَتَأْيِيدِهِ فَقَالَ تَعَالَى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩] قَالَ قَتَادَةُ أَمَرَهُ بِمُشَاوَرَتِهِمْ تَأَلُّفًا لَهُمْ وَتَطَيُّبًا لِأَنْفُسِهِمْ.

وَقَالَ الضَّحَّاكُ أَمَرَهُ بِمُشَاوَرَتِهِمْ لِمَا عَلِمَ فِيهَا مِنْ الْفَضْلِ.

وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ أَمَرَهُ بِمُشَاوَرَتِهِمْ لِيَسْتَنَّ بِهَا الْمُسْلِمُونَ وَيَتْبَعَهُ فِيهَا الْمُؤْمِنُونَ وَإِنْ كَانَ عَنْ مُشَاوَرَتِهِمْ غَنِيًّا.

وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْمُشَاوَرَةُ حِصْنٌ مِنْ النَّدَامَةِ وَأَمَانٌ مِنْ الْمَلَامَةِ» وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الرِّجَالُ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ تَرِدُ عَلَيْهِ الْأُمُورُ فَيُصَدِّرُهَا بِرَأْيِهِ وَرَجُلٌ يُشَاوِرُ فِيمَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ وَيَنْزِلُ حَيْثُ يَأْمُرُهُ أَهْلُ الرَّأْيِ وَرَجُلٌ حَائِرٌ بَائِرٌ لَا يَأْتَمِرُ رُشْدًا وَلَا يُطِيعُ مُرْشِدًا.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نِعْمَ الْمُوَازَرَةُ الْمُشَاوَرَةُ وَبِئْسَ الِاسْتِعْدَادُ الِاسْتِبْدَادُ.

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّ الْمُشَاوَرَةَ وَالْمُنَاظَرَةَ بَابَا رَحْمَةٍ وَمِفْتَاحَا بَرَكَةٍ لَا يَضِلُّ مَعَهُمَا رَأْيٌ وَلَا يُفْقَدُ مَعَهُمَا حَزْمٌ.

وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا خَابَ مَنْ اسْتَخَارَ وَلَا نَدِمَ مِنْ اسْتَشَارَ» وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مِنْ حَقِّ الْعَاقِلِ أَنْ يُضِيفَ إلَى رَأْيِهِ آرَاءَ الْعُلَمَاءِ وَيَجْمَعَ إلَى عَقْلِهِ عُقُولَ الْحُكَمَاءِ فَالرَّأْيُ الْفَذُّ رُبَّمَا زَلَّ وَالْعَقْلُ الْفَرْدُ رُبَّمَا ضَلَّ.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الِاسْتِشَارَةُ عَيْنُ الْهِدَايَةِ وَقَدْ خَاطَرَ مَنْ اسْتَغْنَى بِرَأْيِهِ.

وَقَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ شَاوِرْ مَنْ جَرَّبَ الْأُمُورَ فَإِنَّهُ يُعْطِيكَ مِنْ رَأْيِهِ مَا قَامَ عَلَيْهِ بِالْغَلَاءِ وَأَنْتَ تَأْخُذُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>