للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا الْحَازِمَ غَيْرَ الْحَسُودِ وَاللَّبِيبَ غَيْرَ الْحَقُودِ وَإِيَّاكَ وَمُشَاوَرَةَ النِّسَاءِ فَإِنَّ رَأْيَهُنَّ إلَى الْأَفَنِ وَعَزْمَهُنَّ إلَى الْوَهَنِ.

وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ مَشُورَةُ الْمُشْفِقِ الْحَازِمِ ظَفَرٌ وَمَشُورَةُ غَيْرِ الْحَازِمِ خَطَرٌ.

وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ

اُصْفُ ضَمِيرًا لِمَنْ تُعَاشِرُهُ ... وَاسْكُنْ إلَى نَاصِحٍ تُشَاوِرُهُ

وَارْضَ مِنْ الْمَرْءِ فِي مَوَدَّتِهِ ... بِمَا يُؤَدِّي إلَيْكَ ظَاهِرُهُ

وَالْخَصْلَةُ الرَّابِعَةُ أَنْ يَكُونَ سَلِيمَ الْفِكْرِ مِنْ هَمٍّ قَاطِعٍ وَغَمٍّ شَاغِلٍ.

فَإِنَّ مَنْ عَارَضَتْ فِكْرَتَهُ شَوَائِبُ الْهُمُومِ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ رَأْيٌ وَلَمْ يَسْتَقِمْ لَهُ خَاطِرٌ.

وَقَدْ قِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ بِتَرْدَادِ الْفِكْرِ يَنْجَابُ لَكَ الْعِكْرُ.

وَالْخَصْلَةُ الْخَامِسَةُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ فِي الْأَمْرِ الْمُسْتَشَارِ فِيهِ غَرَضٌ يُتَابِعُهُ وَلَا هَوًى يُسَاعِدُهُ فَإِنَّ الْأَغْرَاضَ جَاذِبَةٌ وَالْهَوَى صَادٌّ وَالرَّأْيُ إذَا عَارَضَهُ الْهَوَى وَجَاذَبَتْهُ الْأَغْرَاضُ فَسَدَ.

وَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ

وَقَدْ تَحْكُمُ الْأَيَّامُ مَنْ كَانَ جَاهِلًا ... وَيُرْدِي الْهَوَى ذَا الرَّأْيِ وَهُوَ لَبِيبٌ

وَيُحْمَدُ فِي الْأَمْرِ الْفَتَى وَهُوَ مُخْطِئٌ ... وَيُعْذَلُ فِي الْإِحْسَانِ وَهُوَ مُصِيبٌ

فَإِذَا اُسْتُكْمِلَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ الْخَمْسُ فِي رَجُلٍ كَانَ أَهْلًا لِلْمَشُورَةِ وَمَعْدِنًا لِلرَّأْيِ فَلَا تَعْدِلْ عَنْ اسْتِشَارَتِهِ اعْتِمَادًا عَلَى مَا تَوَهَّمَهُ مِنْ فَضْلِ رَأْيِكَ وَثِقَةً بِمَا تَسْتَشْعِرُهُ مِنْ صِحَّةِ رَوِيَّتِكَ فَإِنَّ رَأْيَ غَيْرِ ذِي الْحَاجَةِ أَسْلَمُ وَهُوَ مِنْ الصَّوَابِ أَقْرَبُ لِخُلُوصِ الْفِكْرِ وَخُلُوِّ الْخَاطِرِ مَعَ عَدَمِ الْهَوَى وَارْتِفَاعِ الشَّهْوَةِ.

فَعَلَى هَذَا فَمَنْ تَرَكَ الِاسْتِخَارَةَ وَالِاسْتِشَارَةَ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ التَّعَبِ فِيمَا أَخَذَ بِسَبِيلِهِ لِدُخُولِهِ فِي الْأَشْيَاءِ بِنَفْسِهِ دُونَ الِامْتِثَالِ لِلسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ وَمَا أَحْكَمْته فِي ذَلِكَ إذْ إنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ فِي شَيْءٍ إلَّا عَمَّتْهُ الْبَرَكَاتُ وَلَا تُتْرَكُ مِنْ شَيْءٍ إلَّا حَصَلَ فِيهِ ضِدُّ ذَلِكَ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ الْمُسْتَخِيرُ إلَى مَا يَنْشَرِحُ إلَيْهِ صَدْرَهُ بَعْدَ الِاسْتِخَارَةِ فَإِذَا اسْتَقَرَّ عَزْمُهُ عَلَى السَّفَرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَمْتَثِلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>