وحمله على الوقوع لا يمكن؛ لأن أبا حنيفة يقول بتكليفه على ما حكاه عنه، فيخالف ما حكي من الإجماع على عدم تكليفه. ومما يدل على أن المراد بتكليفه الجواز وعدمه -لا نفس الوقوع- ما قاله ابن عقيل في الواضح، فإِنه قال: "والذي يدل على قصده ودخول فعله تحت التكليف منع الشرع من قتل البريء المكره على قتله، وإلحاق الوعيد به على إِيقاع القتل به، وبهذا النهي والوعيد والتأثيم قد بان أن الله تعالى يصح أن يكلفنا ترك كل ما يكره على فعله حسبما كلفنا ترك قتل البريء، وإنما رخص لنا قول كلمة الكفر تسهيلاً علينا منه ورفقاً بنا، وليس دخول الرفق -رخصة وسهولة- مما يمنع دخول التكليف، كما رخص لنا في المرض الإفطار، ولم يمنع ذلك تكليفه لنا الانزجار عن التداوي بما حرم علينا". لكن كلام ابن عقيل يفهم منه أن المكره الذي فيه الخلاف هو الذي يوجد الفعل منه، وأن من لم يوجد ليس من هذا القبيل، فإنه قال: "واعلم أن المكره داخل تحت التكليف على أن فيه اختلافاً بين الناس؛ وذلك أن المكره لا يكون مكرهاً إِلا على كسبه وما هو قادر عليه، نحو: المكره على الطلاق والبيع وكلمة الكفر، وكل ذلك إِذا وقع فهو كسب لمن وقع منه وواقع مع علمه وقصده إِليه بصيغة، فيصح لذلك تكليفه، كتكليف ما لا إِكراه عليه فيه". قلت: وهذا ظاهر؛ لأن الذي ألقي من شاهق لم يوجد منه فعل، وإينما الفعل ممن ألقاه، وإن كان الفعل قد ينسب إِلى الآلة، كقوله: "قطعتِ السكين"، فالفعل المنسوب إِلى المحمول "كالآلة" كالفعل المنسوب إِلى بقية الآلات، كالسكين ونحوها. انتهى ما في هامش (ظ). وانظر مذهب الحنفية -في هذه المسألة- في: فواتح الرحموت ١/ ١٦٦، وتيسير التحرير ٢/ ٣٠٧، وكشف الأسرار ٤/ ٣٨٤، والتوضيح على التنقيح ٣/ ٢٢٦.