للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال سلمان: ويكون ذلك يا رسول الله؟ !

قال: "نعم، والذي نَفْسُ مُحمدٍ بيده، عند ذلك يا سلمان يكون المؤمن فيهم أذل من الأَمة، يذوب قلبه في جوفه؛ كما يذوب الملح في الماء مما يرى من المنكر فلا يستطيع أن يُغيره، ويكتفي الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، ويُغار على الغلمان؛ كما يُغار على الجارية البكر. فعند ذلك يا سلمان تكون أمراء فسقة، ووزراء فجرة، وأمناء خونة، يضيعون الصلاة، ويتبعون الشهوات، فإن أدركتموهم فصلّوا صلاتكم لوقتها. عند ذلك يا سلمان يجيء سَبيٌ من المشرق، وسَبيٌ من المغرب، جثاؤهم -أي: أجسادهم- جثاء الناس، وقلوبهم قلوب الشياطين، لا يرحمون صغيرًا، ولا يوقرون كبيرًا. عند ذلك يا سلمان يحج الناس إلى هذا البيت الحرام، ويحج ملوكهم لهوًا وتَنَزُّهًا، وأغنياؤهم للتجارة، ومساكينهم للمسألة، وقراؤهم رياءً وسمعة".

قال: ويكون ذلك يا رسول الله؟ !

قال: "نعم، والذي نَفْسي بيده، عند ذلك يا سلمان يَفشُو الكذب، ويظهر الكوكب له الذنب، وتشارك المرأة زوجها في التجارة، وتتقارب الأسواق".

قال: وما تقاربها؟ قال: "كسادها، وقلة أرباحها. عند ذلك يا سلمان، يبعث الله ريحًا فيها حَيّاتٌ صُفرٌ، فتلتقط رؤوس العلماء لِمَا رأوا المنكر فلم يغيروه".

قال: ويكون ذلك يا رسول الله؟ !

قال: "نعم، والذي نفس محمدٍ بيده"، رواه ابن مردويه عنه.

قوله في الحديث: "وتكثر الصفوف" ... إلخ؛ معناه: أنهم لا يتمون الصفوف الأول فالأول، بل يَصطفُّ كل ثلاثة في صف، وأربعة في صف، وهكذا فتكثر الصُّفوفُ.

ويؤيده قوله: "مع قلوب متباغضة"؛ لأن ذلك يُورث تخالف القلوب وتباغضها؛ كما أشار إليه حديث: "أقيموا صفوفكم -أي: أتموها- ولا تختلفوا فيخالف الله بين قلوبكم".

<<  <   >  >>