والثالث: علم الترجمة عن الله تعالى، وذلك لكل من كلمه الله تعالى في الإلقاء والوحي، فيكون المترجم مُهيأ لصور الحروف اللفظية والمرقومة التي يُوجِدُهَا، ويكون روح تلك الصورة كلام الله لا غير.
والرابع: تعيين المراتب لولاة الأمر، وهو العلم بما تستحقه كل مرتبة من المصالح التي خلقت لها، فينظر صاحب هذا العلم في نفس الشخص الذي يُريد أن يُوليه ويرفع الميزان بينه وبين المرتبة، فإذا رأى الاعتدال في الوزن من غير ترجيح لكفة المرتبة؛ ولاه، وإن رجح الوالي؛ فلا يضره، فإن رجحت كفة المرتبة عليه؛ لم يُولّه.
والخامس: الرحمة في الغضب، ولا يكون ذلك إلَّا في الحدود الموضوعة والتعزير، وما عدا ذلك فَغضَبٌ ليس فيه من الرحمة شيء.
والسادس: علم ما يحتاج إليه الملك من الأرزاق، وهو أن يعلم أصناف العالم، وليس إلَّا اثنان: عالم الصور، وعالم الأنفس المدبرين لهذه الصور فيما يتصرفون فيه من حركة أو سكون، وما عدا هذين الصنفين؛ فما له عليهم حكم، إلَّا من أراد منهم أن يحكمه على نفسه كعالم الجان.
والسابع: علم تداخل الأمور بعضها على بعض، وهو معنى قوله تعالى:{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ}، فالمولج ذكر، والمولوج فيه أنثى، وهو في العلوم العلم النظري، وفي الحس النكاح الحيواني والنباتي، ولولا السدى واللحام لما ظهر للشقة عين، وهو سَارٍ في جميع الصنائع العملية والعلمية.
فإذا علم الإمام ذلك لم يدخل عليه شبهة في أحكامه.
هذا هو الميزان الموضوع في العالم في المعاني والمحسوسات، فالإمام يتعين عليه الجمع بين علم ما يكون بطريق التنزيل الإلهي، وبين ما يكون بطريق القياس، ولا يعلم المهدي علم القياس ليحكم به، وإنما يعلمه ليجتنبه، فما يحكم المهدي إلَّا بما يُلقي إليه الملك من عند الله الذي بعثه الله إليه يُسدده، وذلك هو الشرع الحنيفي