المحمدي الذي لو كان محمد - صلى الله عليه وسلم - حيًا، ورفعت إليه تلك النازلة؛ لم يحكم فيها إلَّا بحكم هذا الإمام، فيعلمه الله أن ذلك هو الشرع المحمدي، فَيحْرُمُ عليه القياس مع وجود النصوص التي منحه الله تعالى إياها، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم - في صفته:"يقفو أثري لا يخطئ".
فعرفنا أنه مُتبعٌ لا مُشرع، وأنه معصوم، ولا معنى للمعصوم في الحكم إلَّا أنه معصومٌ من الخطإِ؛ فإن حُكم الرسول لا يُنسب إليه خطأ؛ فإنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلَّا وحي يوحى؛ أي: فمعنى عصمته أنه معصوم في حكمه، وأما في باقي حالاته فمحفوظٌ لا معصوم؛ إذ لا عصمة إلَّا للأنبياء وهو ليس بنبي، وإنما هو ولي، والأولياء محفوظون لا معصومون.
والثامن: الاستقصاء في قضاء حوائج الناس، وأنه متعينٌ على الإمام خُصوصًا دون جميع الناس، فإن الله إنما قدمه على خلقه ليسعى في مصالحهم، والذي ينتجه هذا السعي عظيم، وحركة الأئمة كلهم إنما تكون في حق الغير لا في حق نفوسهم، فإذا رأيتم السلطانَ يشتغِلُ بغير رعيته وما يحتاجون إليه فاعلم أنه قد عزلته المرتبة لهذا الفعل، ولا فرق بينه وبين العامة.
والتاسع: الوقوف على علم الغيب الذي يحتاج إليه في الكون في مدته خاصة، وهي تاسع مسألةٍ ليس وراءها ما يحتاج إليه الإمام في إمامته، وذلك أن الله تعالى أخبر عن نفسه أن كل يوم هو في شأن، وهو ما يكون عليه العالم في ذلك اليوم، ومَعلومٌ أن ذلك الشأن إذا ظهر في الوجود ووقع أنه معلوم لكل من شاهده فهذا الإمام من هذه المسألة له اطلاع من جانب الحق على ما يُريد الحق أن يحدثه من الشؤون قبل وقوعها في الوجود، فيطلع في اليوم الذي قبل وقوع ذلك الشأن على ذلك الشأن، فإن كان مما فيه منفعةٌ لرعيته شكر لله وسكت عنه، وإن كان مما فيه عقوبة بنزول بلاءٍ عام، أو على أشخاصٍ معينين سأل الله فيهم وشفع وتضرع، فصرف الله عنهم ذلك البلاء برحمته وفضله، وأجاب دعوته وسؤاله، فلهذا يُطلعه الله عليه قبل وقوعه في الوجود بأصحابه، ثم يُطلعه الله في تلك الشؤون على النوازل الواقعة من الأشخاص، ويُعين له الأشخاص بحليتهم حتى إذا رآهم لا يَشُك فيهم أنهم عين ما رآهم.