ثم يُطلعه الله تعالى على الحُكم المشروع في تلك النازلة له التي شرع الله لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يحكم به فيها، ولا يحكم إلَّا بذلك الحكم لا يُخطئ أبدًا، وإن أعمى الله عليه الحكم في بعض النوازل، ولم يقع له عليها كشف كان غايته أن يلحقها في الحكم بالمباح، ويعلم بعدم التعريف أن ذلك حكم الشرع فيها؛ فإنه معصومٌ عن الرأي والقياس في الدين؛ فإن القياس ممن ليس بنبي حكمٌ على الله في دين الله بما لا يعلم؛ فإنه طرد علة، وما يُدريك لعل الله لا يريد طرد تلك العلة، ولو أرادها لأبان عنها على لسان رسوله وأمر بطردها.
هذا إذا كانت العلة مما نص الشرع عليها في قضية، فما ظنك بعلةٍ يستخرجها الفقيه بنفسه ونظره من غير أن يذكرها الشرع ثم يطردها؟ !
فيكون تحكمًا على تحكم بشرع لم يأذن به الله.
هذا يمنع المهدي عليه السلام من القول بالقياس في دين الله، ولاسيما وهو يعلم أن مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - التخفيف في التكليف عن هذه الأمة، ولذلك كان يقول:"اتركوني ما تركتكم"، وكان يكره السؤال في الدِّين خوفًا من زيادة الحكم، فكل ما سُكِت له عنه؛ لم يطلع على حكم معين فيه جعل عاقبة الأمر فيه الحكم بحكم الأصل، وكل ما أطلعه الله عليه كشفًا وتعريفًا فذلك حكم الشرع المحمدي في المسألة.
وقد يطلعه الله في أوقات على المباح على أنه مباح وعافية، فكل مصلحة تكون في حق رعاياه فإن الله يطلعه عليها ليسأله فيها، وكل فَسادٍ يريد الله أن يوقعه برعاياه فإن الله يطلعه عليه ليسأل الله في دفع ذلك؛ لأنه عقوبة.
فالمهدي رَحْمةُ الله كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رحمة؛ قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}، والمهدي يقفو أثره لا يخطئ، فلابد أن يكون رحمة.
فهذه تسعة أمور لم تصح بمجموعها لإمامٍ من أئمة الدين خلفاء الله تعالى ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يوم القيامة، إلَّا لهذا الإمام المهدي، كما أنه ما نص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إمامٍ من أئمة الدين الذين يكونون بعده أنه