ما أعرض النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه، ولا نعلم وجهه، لا يخلو من أن يكون على وجه القربة، أو لا يكون:
فإن كان على وجه القربة كان هذا الفعل مكروهًا، لأن الكراهة تقابل الاستحباب، وما تركه ليس على وجه القربة فهو مباح في حقنا.
ولكن القول بذلك لا يستقيم؛ وذلك لأن الأصل المتوقف عليه قبل الفعل بخلاف الأصل المتوقف عليه قبل الترك.
وبيان ذلك:
أن الفعل الذي يفعل على سبيل القربة إنما يطلب له الدليل على جواز فعله، فحيث لم يكن دليل فالجواز ممتنع، فالأصل أن هذا الفعل ممنوع منه، ففعل النبي - صلى الله عليه وسلم - له ناقل عن الأصل، أما في الترك: فإن ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - له غير ناقل عن الأصل بل مقوٍّ له ومعضد له، فكيف يحمل تركه - صلى الله عليه وسلم - على الكراهة، والمتروك ممنوع منه قبل نقل إعراض النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه؟
لذا فقياس القول في الأفعال هنا أن يقال:
ما تركه النبي - صلى الله عليه وسلم - كان فعله لا يقع إلا قربة: فالترك دليل على التحريم، وإذا كان غير قربة فأقل الأحوال حمله على الكراهة.
ولو قال قائل بحمله على التحريم لم يُبعِد، بل كان لقوله حظ من النظر، فإن أقل أحوال المتابعة في الترك تنخرم بمجرد الفعل، بخلاف الفعل، وهذا قاضٍ بحمل الإعراض على الوجوب دون الاستحباب.