أولًا: أهمية البحث في تروكه - صلى الله عليه وسلم -.
لم ينل هذا الموضوع حظه في دراسات الأصوليين قديمًا وحديثًا، ربما لوضوحه في أذهان العلماء السابقين، وربما لأن كتاباتهم تميزت بمناقشة أصول المسائل ومشاهيرها، وربما كان ذلك من باب: وكم ترك الأول للآخر.
ومهما كان سبب ذلك، إلا أنه بات من الضروري جدًّا أن تبحث جوانب هذا الموضوع بحثًا حثيثًا في دراسات المعاصرين، التي امتازت ببحث الجزئيات بحثًا مفصَّلًا مع الاستقراء والتتبع، وهذه نعمة من نعم الله علينا في هذا العصر.
وتكمن أهميَّة هذا الموضوع بحسب ما أرى فيما يلي:
١ - أن الترك أحد أنواع البيان، تتعلق به أحكام شرعيَّة، يترتب عليها ثواب أو عقاب، ولتروك النبي صلى الله عليه وسلم دلالات وأحكام تُبنَى عليها فروع كثيرة؛ فكان لابد من تأصيل شامل لكل جزئيات تروكه - صلى الله عليه وسلم -.
٢ - أن الترك أحد أنواع التشريع، فكما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُشرِّع بالفعل كان يُشرِّع بالترك، وهذا يدل على اختلاف أحوال التشريع وتنوعها.
٣ - أن للترك أنواعًا شتَّى، وكل نوع له حكم معيَّن، ومنه ما هو حجة يدل على الوجوب، أو على الإباحة، أو على التحريم، ولا يمكن معرفة ذلك إلا بالتأصيل والتنويع والتقسيم.
٤ - أن إغفال مسألة الترك أوقعت كثيرًا من الناس في الابتداع، ومخالفة السنة، فقالوا بشرعيَّة أشياء، وحسبوها على حساب السنة، وهي تخالف