القسم الثالث: الترك الذي وقع به بيان مجمل، فقياس قول الأصوليين في الأفعال أن هذا الترك لا يجوز الزيادة عليه أو النقصان منه، ومن هذا النوع: ترك تغسيل الشهيد، وترك الأذان والإقامة في صلاة العيدين والاستسقاء، فالزيادة على ما ورد البيان به لا تجوز.
[إشكال والرد عليه]
ورد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ذروني ما تركتكم، فإنما هلك الذين من قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم، ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم"(١).
هل يستدل بهذا الحديث على أن ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - المجرد لا يدل على شيء من الأحكام؟
[والجواب عن ذلك]
أن المراد بقوله:"ذروني ما تركتكم" النهي عن الاستفصال في السؤال، والاكتفاء بما ورد من قوله - صلى الله عليه وسلم -، وليس المراد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا تركهم فلا دلالة لهذا الترك، لما ورد من الأدلة الأخرى، وهذا المعنى فَصَّلَه ابن حجر ووضحه عند شرحه لهذا الحديث فقد قال:"المراد بهذا الأمر ترك السؤال عن شيء لم يقع خشية أن ينزل به وجوبه أو تحريمه، وعن كثرة السؤال لما فيه غالبًا من التعنت، وخشية أن تقع الإجابة بأمر يستثقل، فقد يؤدي لترك الامتثال فتقع المخالفة، قال ابن فرج معنى قوله: "ذروني ما تركتكم": لا تكثروا
(١) رواه البخاري (١٣/ ٢٦٤ / ٧٢٨٨) كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومسلم (٢/ ٩٧٥ / ١٣٣٧) كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر.