للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكن هل القول بذلك معناه أن الأصل في العبادات أيضًا الإباحة عند جمهور الأصوليين؟، هذا ما سأحاول بيانه في المطلب التالي.

المطلب الثاني: الأصل في العبادات (١):

سبق بيان أن القائلين بالوقف أدَّاهم إلى القول به: الفرار من إثبات أن للعقل مدخلًا في إثبات الأحكام، وهذا يقتضي أن الأحكام الشرعية لا تثبت إلا من الشرع، وهو ما اتفق عليه أهل السنة قاطبةً، خلافًا للمعتزلة، فإذا كان هذا هو حالهم فيما علم من الشرع عدم الحرج فيه، فالمعقول أن يكونوا فيما يفعل على وجه التعبد أشد توقفًا وطلبًا للدليل، والنقولات التي ذكرت سابقًا تؤيد ذلك (٢) وتعضده، وهذا المعنى ذكره الأصوليون في باب الاستصحاب.

لذا فإن القول بأن الأصل في الأشياء الإباحة يقتضي جواز إثبات العبادة دون دليل إلا إذا دل الدليل على المنع منه، مجازفة عظيمة، وخطأ بالغ، وزلة فادحة، إذ العبادات من باب التكليف، ولا تكليف إلا بدليل، وقد نص على هذا غير واحد، فمن ذلك قول ابن القيم: "فالأصل في العبادات البطلان حتى يقوم دليل على الأمر، والأصل في العقود والمعاملات الصحة حتى


= والذي يظهر لي أن الخطأ هو عند الزركشي وأن جماهير الأصوليين يبنون مسألة طلب الدليل على هذه المسألة، وأنهم عند التأصيل يذكرون الوقف هربًا من موافقة المعتزلة، وعند التطبيق يذكرون الإباحة ومن لاحظ هذا الفرق حاول أن يؤصل له ولا يظهر فارق صحيح بين المسألتين.
(١) المراد بالعبادات: ما لا يقع إلا على وجه القربة، وقد سبق التنبيه على ذلك.
(٢) انظر قول السبكي، والغزالي، والشيرازي، والسمعاني في الهامش (ص ٢٤٤).