القول الأول: يجوز، وهو قول الجمهور، وصححه النووي، ورجحه ابن حجر. ومن أدلتهم على ذلك: ١ - ما رواه البخاري (١/ ٦٠٠ / ٤٠١)، ومسلم (١/ ٤٠٠ / ٥٧٢) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني ... ". ٢ - أن السهو لا يناقض النبوة؛ لأنه وإن سها فلا يقر عليه فلا تحصل منه مفسدة. ٣ - أن فيه فائدة بيان أحكام للناس وتقرير بعض الأحكام. القول الثاني: لا يجوز السهو على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفرّق بعضهم بين الأقوال والأفعال، وقد نقل القاضي عياض الإجماع على عدم جواز السهو في الأقوال، لكن تعقبه ابن حجر في الفتح بإثبات الخلاف، وذكر القاضي الخلاف في الأفعال. واستدل من قال بعدم جواز النسيان على النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمور: ١ - قوله في حديث ذي اليدين: "لم أنس" [البخاري (١/ ٦٧٤ / ٤٨٢)، ومسلم (١/ ٤٠٣ / ٥٧٣)]، فهذا نص منه على نفي النسيان؛ أي أنه في حقيقة الأمر لم ينس ولكنه تعمد ذلك لبيان التشريع. وتعقب هذا الاستدلال بأمرين: الأول: قول ذي اليدين: "بل نسيت"، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أكما يقول ذو اليدين؟ "، فقوله - صلى الله عليه وسلم - راجع إلى السلام؛ أي سلمت قاصدًا بانيًا على ما في اعتقادي أني صليت أربعًا. الثاني: أن حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - ينفي ذلك، قال ابن حجر في الفتح: (فأثبت العلة قبل الحكم، وقيد الحكم بقوله: "إنما أنا بشر"، ولم يكتف بإثبات وصف النسيان حتى دفع قول من عساه يقول: ليس نسيانه كنسياننا فقال: "كما تنسون"). ٢ - حديث: "إني لا أنسى ولكن أُنَسَّى"، وأجيب عن ذلك بأن هذا من بلاغات مالك التي لم توصل بعد البحث الطويل عن طريق لوصلها كما يقول ابن حجر في الفتح، ولو صح ذلك لكان في نسيان آي القرآن، ولا يلزم من نفي النسيان في الآية نفي النسيان في كل شيء. =