أما الأول فإن امتناع النبي - صلى الله عليه وسلم - عن فعله، دليل على أن هذا الفعل غير جائز، فهو محرم، وفعله على هذا الوجه يكون بدعة مذمومة.
أما الثاني فإن امتناع النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه يحمل على أقل أحوال التأسي والمتابعة، فيحمل على الكراهة، لأن هذا هو القدر المتيقن، وما فوقه زائد عليه، فلا يصار إليه إلا لدليل يقتضي تلك الزيادة، وهذا هو سبب حمل النوع الأول على أنه للتحريم، إذ إن المتيقن فيه أيضًا الكراهة التي هي أقل أحوال المتابعة، ولكن صرنا إلى التحريم لدليل منفصل من الخارج، ولكنه لازم، وهذا الدليل هو ما ثبت عند الفقهاء والأصوليين جميعًا من أن العبادة لا تثبت إلا بدليل، فلو كان هذا الفعل الذي لا يقع إلا على وجه العبادة لا يصح الإقدام عليه سواء كف عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - أو لم يتعرض له، حتى ينقل لنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك الفعل، فإن المنع يقوى ويزداد بكف النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه، إذ هو في هذه الحالة مقوٍّ للأصل ومعضدٍ له.
فيصح إذن إجمال القول فيما يلي:
ما تركه النبي - صلى الله عليه وسلم - دون بيان سبب للترك، ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الترك المجرد: أي الذي لم يتناوله أمر أو نهي ولم يكن في موضع البيان، وهذا على قسمين:
الأول: أن يكون المتروك عبادة محضة - أي لا يقع الفعل إلا على وجه التعبد - فالترك هنا دليل على المنع.
فمن ذلك ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - لصلاة الفرض على الراحلة، دليل على عدم جواز ذلك الفعل، وهذا ما ذهب إليه الفقهاء في هذا الفرع، بل نقل النووي