من خلال ما ذكر سابقًا يتبين أن من أنواع الترك العدمي ما يكون مصلحة مرسلة، ذلك أن الترك العدمي يكون في باب العبادات، وكذلك في باب العادات والمعاملات والسياسة الشرعية، فما تركه النبي - صلى الله عليه وسلم - في غير باب العبادات فإن المقتضي حينئذ هو المصلحة، وتلك المصلحة قد تكون قائمة في عهده - صلى الله عليه وسلم - أو جدَّت بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -.
فالمصالح التي كانت في عهده - صلى الله عليه وسلم - لها حديث آخر، أما المصالح التي جدَّت بعده - صلى الله عليه وسلم - فلا تخلو من أن تكون أحد أمرين: ذلك أنها إما أن تكون مستوفية للشروط التي ذكرناها في المصالح المرسلة، أو غير مستوفية لها:
فإذا استوفت تلك الشروط جاز اعتبارها، وقد سبق بيان أن كل ما ذكره العلماء أمثلة صحيحة على المصالح المرسلة، إنما هي من قبيل الإلزام العام وذلك لما في الإلزام بها من تعدٍّ على أصل ثابت أو حق مقرر، فلا يجوز هذا الإلزام إلا بعد استيفاء تلك الشروط.
أما إذا لم تستوف هذه المصالح تلك الشروط: فلا يصح الإلزام بها، وإنما يجوز لآحاد الناس الأخذ بها، إذا لم يتعد على أصل ثابت أو حق مقرر لغيره، وذلك لأن هذه الأفعال التي يرجى تحصيل المصلحة من خلالها باقية على الأصل، والأصل فيها الإباحة طالما ليست من قبيل العبادات.
ولابد هنا من الإشارة إلى أن المصلحة المرسلة ليست كلها من باب الترك العدمي، فهناك من المصالح المرسلة مما لم يكن مقدورًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - فلا تكون