للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن أمثلة هذا النوع:

ما ورد من حديث أم عطية - رضي الله عنها - قالت: "كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئًا" (١).

فرغم اختلاف الفقهاء في حكم الصفرة والكدرة، إلا أنهم جميعًا متفقون على حجية هذا القول (٢).

[المطلب الرابع: دلالة الإقرار]

إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - دليل على عدم الحظر، إذ لو كان محظورًا لأنكره - صلى الله عليه وسلم -، وقد نقل الجويني الاتفاق على هذا القدر، ونص عبارته: "اتفق الأصوليون على


(١) رواه البخاري (١/ ٥٠٧ / ٣٢٦) كتاب الحيض، باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض.
(٢) نقل ابن قدامة في المغني عن أحمد ويحيى الأنصاري، وربيعة، ومالك، والثوري، والأوزاعي، وعبدالرحمن بن مهدي، والشافعي، وإسحاق: أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض، وفي أيام الطهر طهر، سواء كان قبل الغسل أو بعده، وذهب أبو يوسف وأبو ثور إلى أن الصفرة والكدرة بعد الغسل تكون طهرًا سواء كان في أيام الحيض أو بعده، [المغني ١/ ٤١٣ - ٤١٤] وقد ذكر النووي في المجموع هذين القولين ثم نقل أقوالًا أخرى من التفرقة بين الصفرة والكدرة، وذكر أن سبب الخلاف في ذلك تعارض حديث أم عطية - رضي الله عنها - مع حديثٍ رُوي عن عائشة - رضي الله عنها - وهو أنها قالت: "كنا نعد الصفرة والكدرة حيضًا"، لكن قال النووي عن هذا الحديث: لا أعلم من رواه بهذا اللفظ، لكن يقرب منه في الدلالة حديث عائشة - رضي الله عنها -: "لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء" [المجموع ٢/ ٤١٥ - ٤٢٢]، [وانظر الخلاف أيضًا في المبسوط ٣/ ١٦٧]. وبغض النظر عن القول الراجح فلم يقل أحد من الفقهاء - فيما بحثت - بأن حديث أم عطية - رضي الله عنه - لا دلالة فيه، بل صنيعهم يدل على أنهم يرون فيه دلالة غير أنهم اختلفوا في تأويله جمعًا بينه وبين ما ظاهره التعارض معه.