لا شك أن التروك ليست كلها على منزلة واحدة من القوة أو الضعف، وحيث إن الأصل في ثبوت الترك الوجودي النقل، فإن ألفاظ النقل تختلف فيما بينها اختلافًا كبيرًا من جهة ظهور دلالتها على الترك من عدمه، وثمة أمر آخر وهو أن نقل الترك بخلاف نقل الفعل، لابد فيه من تقصٍ شديد، لأن الفعل - ولو مرة - يخرم صورته، بخلاف الفعل، فإن حدوثه مرة كافٍ في نقله، ولذا فسوف يُقَسم الترك في هذا المبحث باعتبار قوة دلالة اللفظ على المعنى، وهو بذلك ينقسم إلى مرتبتين:
المرتبة الأولى: أن يكلون اللفظ نصًّا قاطعًا في ثبوت الترك، وهذا على نوعين:
[النوع الأول: أن يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نفسه أنه ترك.]
ومثاله: ما ورد عن أبي جحيفة - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني لا آكل متكئًا"(١).
[النوع الثاني: أن يقر النبي - صلى الله عليه وسلم - سائله على أنه ترك.]
مثاله: ما ورد عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: عطس رجلان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فشمَّت أحدهما ولم يشمِّت الآخر، فقيل له، فقال: "هذا حمد الله،
(١) رواه البخاري (٩/ ٤٥١ / ٥٣٩٨) كتاب الأطعمة، باب الأكل متكئًا.