لكن ما هي صفة هذا التشريع، وهل كل ترك منه - صلى الله عليه وسلم - يكون حجة، أم أن منه ما هو حجة ومنه ما ليس بحجة، وهل استنبط الفقهاء أحكامًا شرعية من تركه - صلى الله عليه وسلم -، وما هي الضوابط التي قام عليها هذا الاستنباط إن وجد؛ هذا ما أحاول بيانه في هذه الدراسة، وأسأل الله العون والسداد.
• الدراسات السابقة:
لم أقف على مؤلَّف أصولي واحد للأئمة المتقدمين يتناول مسألة الترك بالدراسة المستقلة، بل لم أهتد إلى عنوان مخطوط يحتمل أن يكون قد تناول التروك النبوية بالدراسة المستقلة، وهذا لا ينفي أن هذه المسألة قد وجد من تناولها في مؤلفاته، ومقدار هذا التناول يختلف من أصولي إلى آخر، لكن لا يخلو مؤلف أصولي من أحد مسائل الترك أو من الإشارة إلى أن الترك فعل فيجري عليه ما يذكر في مبحث الأفعال.
وهذا لا ينفي أن هناك من فَصّل الكلام في الترك بعض الشيء، ولم يكتف بمجرد الإشارة كابن حزم (ت ٤٦٥ هـ) في كتابه (الإحكام في أصول الأحكام)، ومن بعده السمعاني (ت ٤٨٩ هـ) في (قواطع الأدلة)، والآمدي (ت ٦٣١ هـ) في كتابه (الإحكام في أصول الأحكام)، والزركشي (ت ٧٩٤ هـ) في (البحر المحيط)، وهذا الأخير يذكر في كتابه أن الأصوليين لم يتعرضوا لبحث الترك ما عدا ما نقله عن السمعاني، رغم أنه ذكر في مقدمة كتابه أنه جمع مادته من أكثر من مائة كتاب.