أما الطوفي فقد نحى منحىً آخر، ذلك أنه بعد أن ذكر تقسيم الأصوليين السابق ذهب إلى أن كل ذلك تطويل لا حاجة إليه، إذ إن الشريعة ما أتت إلا لتحصيل المصالح ودفع المفاسد، وعلى ذلك فما كان مصلحة من كل وجه فلابد من تحصيله وإن خالف النص والإجماع، وإن كان مفسدة من كل وجه فلابد من إلغائه، وما كان مصلحة من وجه مفسده من وجه اعتبر في ذلك الغالب وأطال في تقرير ذلك الذي ذهب إليه (١).
[اعتبار المصالح أو عدمه ليس في الأفعال التعبدية]
مجال اعتبار المصلحة أصلًا تشريعيًا في المذاهب هو المعاملات والسياسة الشرعية والعادات، أما العبادات فلا مدخل للمصلحة المرسلة فيها، إذ إن العبادات لا تبنى على المصلحة، وإنما مبنى العبادات على التلقي من الشرع، وهو معنى أن الأصل في العبادات المنع، يقول الدكتور مصطفى زيد: "إن
(١) الطوفي مع أنه يقرر في أكثر من موضع أنه لا يقدم المصلحة على النص والإجماع إنما يخصصهما، إلا أن تأصيله لا يدل على ذلك، كما أنه لم يلتزم بذلك عند التطبيق العملي، وممن ناقش الطوفي فيما ذهب إليه الدكتور مصطفى زيد في رسالته (المصلحة في التشريع الإسلامي) وهي رسالة ماجستير نوقشت في دار العلوم، وضعها خصيصًا لأجل الكلام عن الطوفي ورأيه في المصالح، ومن قبله الدكتور محمد مصطفى شلبي في رسالته (تعليل الأحكام)، فقد تكلم عن الطوفي ومذهبه تفصيلًا، ولذا فقد رأيت أن لا أطول البحث هنا بذكر كلامه مفصلًا والرد عليه، إذ لن يأتي بجديد، وليس البحث هنا للمصلحة بمقصود في ذاته، إنما مجرد مدخل للكلام عن المصالح المرسلة.