ولكنه بعد ذلك ذكر أن العلماء قسموا ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - لشيء ما إلى نوعين: "نوع لم يوجد ما يقتضيه في عهده، ثم حدث له مقتضٍ بعده، فهذا جائز على الأصل ... وقسم تركه النبي - صلى الله عليه وسلم - مع وجود المقتضي لفعله في عهده، وهذا النوع تقتضي منع المتروك"، وذكر أن ابن تيمية مثَّل للنوع الثاني بالأذان لصلاة العيدين، وأنه يقتضي عند ابن تيمية المنع، وقد وافقه الشاطبي وابن حجر الهيتمي وغيرهما، ثم قال: "وقد اشتبهت عليه هذه المسألة بمسألة السكوت في مقام البيان، صحيح أن الأذان في العيدين بدعة غير مشروعة، لا لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تركه، ولكن لأنه بيَّن في الحديث ما يعمل في العيدين، ولم يذكر الأذان، فدل سكوته على أنه غير مشروع، والقاعدة أن السكوت في مقام البيان يفيد الحصر". إذن: فالشيخ الغماري يفرق بين السكوت عن البيان وبين الترك، ويرى أن السكوت عن البيان يفيد التحريم، بينما لا يفيد الترك ذلك. كذلك: لا يفرق بين الترك المنقول، والترك غير المنقول (الترك العدمي) في الدلالة أو التسمية، فالترك الذي لم يكن له مقتضٍ ثم وُجد له بعد، والذي كان له مقتضٍ: كلاهما لا يدلان إلا على الإباحة والجواز. كما أنه يرى أن السكوت في مقام البيان - الذي يدل على الحصر - ليس تركًا. وبناء على ذلك يصح القول: إن ترك الفعل لا يدل - عند الشيخ الغماري - إلا على الجواز مهما كانت مقتضيات الترك؛ لأنه لم يأت في حديث أو أثر التصريح بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك شيئًا لأنه حرام، إلا حالة واحدة وهي ترك القول - وهو السكوت - فهو دال على التحريم إذا كان في موضع البيان، لأن السكوت في مقام البيان يدل على الحصر.