الجدل في بعض بلدان المسلمين، وهو صنيع يُحمد عليه، وله فائدة من وجهين: الأول: بيان أن التطبيق مرتبط دائمًا بالتأصيل في كل وقت وحين، وليس الأمر على عواهنه ليحلو لمن شاء أن يفعل ما يريد بحجة استحسانه. والثاني: إيجاد الحلول العلميَّة للمسائل المشكلة المعاصرة، وليس يُسكت المسيء غير العلم.
وإن كنت أود أنه زاد في التمثيل المعاصر بعض المسائل الأخرى التي ثار ويثور حولها الجدل في بعض البلاد أيضًا؛ مثل: الأذان الموحد الذي يُبث على الإذاعة من إحدى المساجد الكبيرة، وتتلقاه المساجد جميعًا عبر ذلك البث، وقد انتشر ذلك في بلادنا بلاد الشام، وكذلك ما يفعله البعض من صلاة ركعتين في جماعة شكرًا لله تعالى عند وجود ما يُفرحهم، وكذلك مسألة قراءة القرآن في مكبرات الصوت في المساجد قُبيل الأذان، وغيرها من المسائل المعاصرة.
رابعًا: اقتران علم الأصول بعلم الحديث.
هناك انفصال مزعوم وسمج بين العلمين؛ علم الحديث وعلم أصول الفقه، وقد تطور هذا الانفصال حتى أصبح يُعاب على المشتغلين بعلم الحديث من قبل الفقهاء، وقل العكس أيضًا، وكما قلنا سابقًا: إن العلمين لا غنى لأحدهما عن الآخر؛ فعلم الحديث يضبط الدليل، وعلم أصول الفقه يضبط الاستدلال، فأنى للأصولي أن يضع القواعد الأصولية التي تستنبط منها الأحكام دون درايةٍ بعلم الحديث، وتسليمٍ لأهل الاختصاص فيه، وقل العكس أيضًا، ولذلك كان الإمام الشافعي يقول للإمام أحمد:"يا أحمد أنت أعلم بالحديث مني، إذا صح عندك الحديث فأعلمني كي آخذ به"،