وقد يقول قائل: نحن نمانع في أن تلك المصلحة لم تكن محتاجًا إليها على عهده - صلى الله عليه وسلم -، بل كانت الحاجة إليها موجودة، فهي إذن مصلحة ملغاة، ويؤيد ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسوي الصفوف بعود معه ومع ذلك لم يستعمل تلك الخطوط.
[والجواب عن ذلك من عدة أمور]
الأول: أنه يلزمه أن يقول بالتحريم لا بالبدعية؛ لأنها وإن كانت مصلحة ملغاة، فما الذي جعلها بدعة، وهي لا تفعل على سبيل التقرب؟
الثاني: أن ما ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسوي الصف بعود معه فهو ضعيف (١) وعلى فرض صحته، فهل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعبد بإمساك العود، أم كان إمساكه له لأجل مصلحة؟
الجواب: أن ذلك كان لأجل مصلحة، ولا يمكن أن يقال: إن ذلك كان لأجل التعبد، إذ لو كان الأمر كذلك لكان ذلك الفعل مستحبًا - أعني:
(١) روى أبو داود (١/ ١٧٦ / ٦٦٩) كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف، عن محمد بن السائب قال: صليت إلى جنب أنس بن مالك - رضي الله عنه - يومًا، فقال: هل تدري لم صنع هذا العود؟، فقلت: لا والله، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضع يده عليه فيقول: "استووا وعدلوا صفوفكم". والحديث ضعفه الألباني في ضعيف الجامع (ص ٢١٠) برقم (٨٣٦)، وفي رواية أخرى عند أبي داود (١/ ١٧٦ - ١٧٧/ ٦٧٠) عن أنس - رضي الله عنه - أنه قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قام إلى الصلاة أخذ بيمينه ثم التفت فقال: "اعتدلوا، سووا صفوفكم"، ثم أخذ بيساره فقال: "اعتدلوا، سووا صفوفكم"، والحديث ضعفه الألباني في المشكاة (١/ ٣٤٢ / ١٠٩٨) [مشكاة المصابيح، تأليف: محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط. الأولى (١٣٨١ هـ - ١٩٦١ م)، ط. الثانية (١٣٩٩ هـ - ١٩٧٩ م)].