وعدم التأسي هنا راجع إلى عدم إمكان تحقق صورة الترك في الواقع، وليس لكون هذا الترك لا يدخله تأسٍّ في الأصل.
[النوع الثاني: الترك الذي يمكن وجود سببه في حق الأمة]
الترك الذي يمكن وجود سببه في حق الأمة، يجب التأسي فيه، على ما ذكر من معنى وجوب التأسي، ويكون التأسي فيه باعتبار السبب شرطًا في صورة الترك، فمتى زال السبب: رجع المتروك إلى حكمه قبل حصول السبب الطارئ.
ومثال ذلك: ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - للتطويل في الصلاة خوف المشقة على المأمومين، فإن التأسي في ذلك الترك يكون بأن يترك الإمام التطويل إذا خاف المشقة على المأمومين، أما إذا علم أن ذلك لا يشق عليهم بأن كانوا قلة فاستشارهم، أو طلبوا منه ذلك، فكمال التأسي في هذه الحالة يكون بالتطويل لانتفاء سبب الترك حينئذ.
ومثاله أيضًا: ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة على قاتل نفسه، ومن عليه دين، إنكارًا منه - صلى الله عليه وسلم - لذلك الفعل، وأمر الصحابة بالصلاة عليه، فإن المشروع في حقنا الصلاة عليه، إلا لمن وُجد فيه نفس المعنى الذي لأجله ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة عليه، ومثل هذا المعنى يوجد في الأئمة الذين يظن بهم الصلاح والتقى، فيرغب الناس في أن يصلوا على ميتهم التماسًا لبركة دعائه، فيظن أنه لو امتنع عمن عليه دين أن يسارع أهله بقضاء دينه، فلو لم يوجد هذا المعنى، لم يكن للترك فائدة.
وحاصل القول: التأسي في الترك المسبب لابد فيه من اعتبار السبب