للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يظهر لي أنه لا خلاف بين الأصوليين في ما ذكره الجصاص، وأن ما ذكره العلماء من دلالة الإقرار على الإباحة لا يخالف القول بدلالته على نفي الحرج إذ كثيًرا ما يستعمل العلماء الإباحة بهذا المعنى (١)، وأيضًا لو حُمل قولهم على إباحة الفعل على الصورة التي وقع بها - وهو أمر لابد منه - كان لا خلاف بينه وبين القول برفع الحرج.

[هل رفع الحرج عن الأقوال التي أقرها النبي - صلى الله عليه وسلم - دليل على صحتها؟]

قسم الأصوليون الأقوال التي أقرها النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى قسمين:

الأول: أن تكون تلك الأقوال في أمور الدنيا، أو إخبارًا عن أمر يقع، فلا دليل في ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - لإنكار هذا القول على صحته (٢).

والدليل على ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وأقض له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذ، فإنما أقطع له قطعة من النار" (٣).

الثاني: أن تكون تلك الأقوال في بيان أحكام شرعية، فإقرار النبي - صلى الله عليه وسلم -


(١) البحر المحيط (١/ ٢٧٥).
(٢) وإلى هذا ذهب الآمدي في الإحكام (٢/ ٥٢)، خلافًا لما ذهب إليه الزركشي ونقله عن جماعة من كون ذلك دال على صدقه [البحر المحيط (٤/ ٢٠٥ - ٢٠٦)].
(٣) رواه البخاري (١٢/ ٣٥٥ / ٦٩٦٧) كتاب الحيل، باب رقم (١٠) بغير ترجمة، ومسلم (٣/ ١٣٣٧ / ١٧١٣) كتاب الأقضية، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة.