للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا مذهب جمهور الأصوليين، ومقتضى صنيع عامة الفقهاء (١).


(١) ذكر الزركشي في البحر المحيط (٦/ ١٢) أن الأصل في المنافع الإذن وفي المضار المنع وقال: "هذا عندنا في الأدلة فيما بعد ورود الشرع: أعني أن الدليل السمعي دل على أن الأصل ذلك فيهما إلا ما دل دليل خاص على خلافهما، أما قبله فقد سبقت المسألة في أول الكتاب: لا حكم للأشياء قبل الشرع، ولم يحكوا هنا قولًا بالوقف كما هناك؛ لأن الشرع ناقل، وقد خلط بعضهم الصورتين وأجرى الخلاف هنا أيضًا، وكأنه استصحب ما قبل السمع إلى ما بعده، ورأى أن ما لم يشكل أمره، ولا دليل فيه خاص يشبه الحادثة قبل الشرع، وسبق هناك ما فيه".
فهذا النص من الزركشي يشمل عدة أمور:
الأول: أن الأمر بعد الشرع على الإباحة.
الثاني: أن هذه المسألة غير مسألة قبل الشرع.
الثالث: أن هناك قوم خلطوا بين المسألتين.
فأما الأمر الأول فلا إشكال فيه، وأما الثاني فهذا فيه نظر، إذ كثير من الأصوليين يصرح بأن فائدة المسألة "الأعيان المنتفع بها قبل الشرع" هي معرفة من الذي يلزمه الدليل المبيح أم المحرم، نعم، قد يفرق بينهما الزركشي، لكن أن ينقل ذلك عن جماهير الأصوليين فلا.
أما الثالثة: فالذين خلطوا بين المسألتين هم أغلب الأصوليين، بل إن الزركشي نفسه في أول كتابه عندما تناول هذه المسألة ونقل عن بعض الشافعية القول بالإباحة قال: "واعلم أن من قال من أصحابنا بالحظر أو الإباحة ليس موافقًا للمعتزلة على أصولهم بل لمدرك شرعي" (١/ ١٥٩).
أما الذين صرحوا بأن فائدة مسألة الأعيان المنتفع بها قبل الشرع هي معرفة الأصل الذي يطلب الدليل للنقل عنه فكثيرون، وممن نقل الزركشي عنهم ذلك: الأستاذ: أبو منصور، والقاضي أبو الطيب الطبري والسمعاني، والماوردي، والروياني، وغيرهم.
وذهب الزركشي بعدما نقل عنهم ما يدل على ذلك إلى أن التحقيق أن كل ذلك لا علاقة له بالمسألة؛ لأن ما ذكروه حوادث بعد الشرع والمسألة في حوادث قبل الشرع. =