أقول هذا الكلام لأنه ظهرت فئة من الأصوليين قديمًا وحديثًا، لا دراية لهم البتة بعلم الحديث، فظهر منهم العجب العُجاب فيما يؤصلون ويستنبطون من قواعد، حتى إن أحدهم ليبني قاعدة على حديث موضوع أو ضعيف جدًّا لا يُمكن أن تقوم به حجة، حتى طفحت كثير من كتب الأصوليين بمثل هذه الأحاديث، وأُدرج عدد ليس بالقليل منها تحت القواعد الأصوليَّة، مع وجود أحاديث صحيحة يصح الاستدلال بها على ما يُريدون، ولا أُريد في هذه العجالة أن أتحدث عن مناقضة القواعد العقليَّة للسنة النبوية، مما حدى بهؤلاء أن يردوا السنة لمخالفتها ما أسموه بمسلمات العقول، هذا جزء مما جره الانفصال السمج بين علم الحديث وبين علم الأصول، الأمر الذي ينبغي معه أن تشتد الدعوة إلى إعادة الترابط بين العلمين، وإظهار ذلك بالحجة والبرهان، وما أُوتينا من قوة.
وقد وجدت في هذه الرسالة إضافة إلى جمال التأليف الأصولي: الدراية بعلم الحديث والإطلاع على علومه من مصادره المختلفة، مما أكسب الرسالة قوة، وسلاسة لا يجد القارئ معها مللًا؛ فوفِّق الباحث للموازنة بين الجانب النظري، وبين الجانب العملي، مستشهدًا بما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم من السنة المطهَّرة، ومستقرئًا للكتب الستة لمعرفة تروكه - صلى الله عليه وسلم -، جامعًا لطرق الحديث الواحد، ليقدم لنا علمًا كثيرًا، وهذا مسلكًا بات غريبًا نوعًا ما على الدراسات الأصولية، رغم أنه الأصل فيها، فلم يتعود الباحثون الرجوع إلى مصادر السنة النبوية المطهرة لاستخراج القواعد الأصولية، والتدليل على صحتها،