أما الذين قالوا بتقديم القول فذلك لأنه بيان بنفسه دون الفعل ودلالة القول أقوى من دلالة الفعل فيقدم.
والذين قدموا الفعل قالوا: هو أقوى في الدلالة والبيان على المراد.
أما الذين قالوا بطلب المرجح من الخارج فقالوا لأنهما في الدلالة سواء.
وذكر العلائي والزركشي أن الذي يجري على قواعد الأصوليين في هذا الشأن أن يحمل القول على وجه، ويحمل الفعل على وجه آخر، أو يصرف الفعلُ القولَ عن ظاهره إلى أحد معانيه.
وحيث أن الترك فعل، فإن تعارض القول مع الترك يكون بأن يترك النبي - صلى الله عليه وسلم - موجب ما دل عليه القول، وهو إما أمر أو نهي:
فحصول التعارض في الأمر يكون بأن يأمر بفعل ثم يترك فعله، وحصول التعارض في النهي يكون بأن ينهى عن فعلٍ ثم يفعله، فيكون تاركًا للامتثال لما دل عليه النهي.
وهاتان الصورتان يصح فيهما أن يحمل الأمر على عدم الوجوب، فيكون الفعل قرينة تصرفه عن ظاهره، ويحمل النهي على الكراهة دون التحريم، وهذا الوجه في الجمع فيه إعمال للدليلين معًا في المحل الواحد وهو أولى من حمل كل دليل على محل غير الذي يتعلق به الآخر.
ثم إنه صنيع الفقهاء فيما لا يحصى في المواضع، وقد نص الأصوليون في باب الأمر والنهي على صرف الأمر عن الوجوب والنهي عن التحريم، بدلالة