للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبذلك يكون محل البحث: هل البدعة الشرعية مذمومة عند أصحاب الاتجاه الثاني أم لا؟، فإذا كانت مذمومة يكون بذلك الخلاف لفظيًّا فقط، وإن كانت غير مذمومة يكون الخلاف معنويًّا.

والذي يظهر لي أن الخلاف هنا لفظي، وممن ذهب إلى ذلك ونصره الشيخ الدكتور محمد عبد الله دراز، فقد قال - بعد أن ذكر الاصطلاحين السابقين -: "إذا عرفت هذا تبين لك أن اختلاف الفريقين في ذم البدعة إطلاقًا وتفصيلًا ليس اختلافًا حقيقيًّا في موضوع واحد، وإنما هو اختلاف اسمي تابع لاختلاف موضوع الحكم، فالمعنى الذي يحكم عليه الفريق الأول بالذم مطلقًا لا يفصل فيه الفريق الثاني، إذ لم يقل أحد منهم بتحسين شيء لم يرد بحسنه دليل أو شاهد شرعي، كما أن المعنى الذي يفصل فيه هذا الفريق لا يطلق الأولون القول بذمه، إذ لم يقل أحد منهم بأن كل ما لم يفعل بخصوصه في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - يكون مذمومًا، وإن شهدت له الأدلة وأجمع عليه الصحابة" (١)، وإلى مثل هذا ذهب الشيخ علي محفوظ (٢).

وبذلك يتبين أن ما ذهب إليه بعض المعاصرين من جواز أن تقع بدعة شرعية في الدين وتكون ممدوحة مما لم يقل به أحد من العلماء المتقدمين قط، وهذا كافٍ في رد قوله وعدم اعتباره.


(١) الميزان بين السنة والبدعة (ص ٤٦) للشيخ الدكتور محمد عبد الله دراز، تحقيق: أحمد مصطفى فضيلة، ط. الثانية (١٤٢٧ هـ - ٢٠٠٦ م)، نشر دار القلم - القاهرة.
(٢) الإبداع في مضار الابتداع (ص ٣٩).