والضابط في معرفة البدعة الشرعية من غيرها هو قصد التقرب، وذلك بأن يكون الفعل لا يصح وقوعه إلا على سبيل التقرب، أو كان فيه مصلحة فُعل من أجلها لكن قُصد بإيقاعه التقرب، وهذا مستفاد بل من لوازم الأصل الذي قُرر سابقًا من أن الأصل في العبادات المنع حتى يرد الدليل بخلاف ذلك.
وبذلك فليس كل محدث بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بدعة، بل لابد من أن يكون في جانب العبادات بأن يكون مقصود فاعله التقرب به إلى الله تعالى، أو يكون الفعل في ذاته لا يقع إلا مقصودًا به التقرب إلى الله تعالى، فإذا لم يكن كذلك فليس ببدعة.
وأيضًا فليس كل مخالفة للشرع تكون بدعة، بل المخالفة منها ما هو معصية وبدعة، ومنها ما هو معصية فقط دون أن تكون بدعة، وذلك إذا لم يقصد بها التقرب، ولم تفعل على أنها دين وطاعة لله - عز وجل -.
وبهذا التقرير السابق يظهر أن البدعة لا تختص بالترك العدمي فقط، بل تتعلق بالترك الوجودي أيضًا:
فالترك المجرد في جانب العبادات يدل على التحريم، وإيقاع هذا الفعل الممنوع منه بدعة.
والترك العدمي إذا كان في جانب العبادات فإنه يدل على التحريم - كما سيأتي بيانه - ويكون إيقاع هذا الفعل الممنوع منه بدعة أيضًا.