للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالشواهد العامة من غير استناد إلى دليل خاص في الواقعة المعروضة عليهم، بل كانوا يقنعون بمجرد اشتمالها على مصلحة راجحة، ولا يبحثون عن أمر آخر، فهذا كالإجماع منهم على قبولها.

قيل له: نحن لا نمانع من ذلك، وهذا دليل على اعتبار المصلحة فيما ليس بعبادة، ونحن لا نخالف في ذلك، وإنما نشترط تلك الشروط فيما إذا كان اعتبار هذه المصالح سيؤدي إلى التعدي على حق محترم، أو إلزام الناس بما لا يلزمهم، وهذه الشروط مستفادة من فعل الصحابة أيضًا، بل من فعل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على وجه الخصوص، وقد أقره كثير من الصحابة على فعله إن لم يكن كلهم.

فإن كان الفعل المشتمل على مصلحة ليس فيه ذلك التعدي، جاز اعتبارها دون اشتراط تلك الشروط، إذ إن الفعل المرجو منه أن يحقق المصلحة باق على الأصل وهو الإباحة.

ومثال ذلك جمع القرآن من الصحف والعُسُب واللِّخاف المتفرقة (١) وغيرها مما كُتبت فيه، ووضعه في مصحف واحد، وهو ما فعله أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما -، فقد كان مصلحته كافية في الدعاء إلى فعله كما قال أبو بكر - رضي الله عنه -: "هو والله خير" (٢).


(١) العُسُب: جمع عسيب وهو جريد النخل، كانوا يكشطون الخوص ويكتبون في الطرف العريض، واللِّخاف: جمع لَخْفة وهي الحجارة الرقاق [فتح الباري (٨/ ٦٣٠ - ٦٣١)].
(٢) رواه البخاري (٨/ ١٩٤ - ١٩٥/ ٤٦٧٩) كتاب التفسير، سورة براءة، باب {لَقَدْ =