فهذا مَرَكبٌ صعبٌ ركبتُه، ولو استقبلتُ من أمري ما استدبرت لتَنَكّبتُه، فوالله لو كُلفت نقل جبل أو هدمه، لكان أهون علي مما تعرضت له وقصدته، فلطالما هممت أن أنزع عما أردت، ولكثيرًا ما نظرت فيما كتبت: فقلت لنفسي: أي عجب ملأني! .. وأي سخف هزني! .. فاستشرفت لما لست له بأهل، وتجاسرت على ما يعظم على الفحل، فهممت أن أنكص عما أردت، وأعود من حيث بدأت، واستشرت في ذلك من أثق به، فلولا إرادة من الله لما تم ما أقدمت عليه، لكن الله إذا أراد بعبد أمرًا هيأه له وأعدَّه.
وأنا أربأ بنفسي أن أكون ممن فقد صوابه أو طار عقله، فظن أن كل ما كتب صواب لا يصح رفضُه، بل أنا على يقين بأن فيه ما يجب إثباته وما يجب محوه، وحاصل أمري أني بذلت من الجهد ما أحتسبُه، فقد تكلفت لأمري هذا ما لا يعلمه إلا الله وحده، فما كان فيه من توفيق فهو فضله وكرمُه، وما كان فيه من زلل فأنا تائب عنه كله، وما أبرئ نفسي عن الجهل والخطأ والنسيان وكل ما يجب ردُّه.
فيا أيها الناظر فيما سودتُه وزبرتُه، لا يحملنك الهوى على قبول ما فيه أو رده، بل اجعل الحق رائدك في تقييمه، واعذر كاتبه فيما أخطأ فيه، وفيما جهلَه، فإن العجز والتقصير لازم له: بل أصلُه، ويكفيه أن قد رام خيرًا وهذا جهدُه، وقلّ من هيأ أمرًا فهذبه ونقحه حتى أتمَّه، ثم راجعه فلم يجد فيه ما يستوجب نقضَه، فإن الله قد أَبى أن يكون الكمال لأحد سواه وحده.