الباقي: لزعمهم أنه مدح لهم آلهتهم. بقوله: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى}، وإلقاء الشيطان صوتا مثل صوته سمعوه وهو تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترجى. انتهى. وقوله: وإلقاء الشيطان صوتا الخ، هذا يروى حديثا كما في الشفا، وذلك ما روي أنه صلى الله عليه وسلم لما قرأ سورة النجم، قال: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى}، قال: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى، ويروى ترضى، فلما ختم سجد وسجد معه المسلمون والكفار لما سمعوه أثنى على آلهتهم. ويروى أن الشيطان ألقاها على لسانه صلى الله عليه وسلم، وأن جبريل جاءه فعَرَضَ عليه السورتين، فلما بلغ الكلمتين قال جبريل: ما جئتك بهاتين الكلمتين، فحزن النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تسلية له:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ}. الآية أي إلا إذا تلا وقرأ ألقى الشيطان الخ، فتمنى بمعنى تلا مجازا، وقد جمع ابن حجر طرقا ضعيفة، قال لكن كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلا، وذكر السيوطي في الدر المنثور أنها أخرجها البزار، والطبراني، وابن مردويه، والضياء في المختار، وألف فيها الشيخ حسن بن إبراهيم المدني رسالة مقويا ثبوتها، وأنها لا تنافي العصمة، ورد عليه الشيخ العلامة أبو عبد الله سيدي محمد بن عبد القادر الفاسي في رسالة بموافقة والده سيدي عبد القادر، قال فيها بعد جلب أنقال.
فتحصل أن القضية ليس لها سند صحيح، وطرقها دائرة بين الشذوذ والانقطاع والإرسال، وما ذكره الحافط ابن حجر من أن لها طرقا تدل على أن لها أصلا، يقال عليه هذه الدلالة غير قطعية؛ وهي مردودة بظواهر الآيات، والظواهر المتكاثرة ربما أفادت القطع سَلَّمْنا الدلالة على أن لها أصلا لكن يكفي في ذلك المقدار الذي يوافق ما ثبت في الصحيح (وإنما الوارد في الصحيح سجوده صلى الله عليه وسلم عند ختم السورة، وسجود المسلمين معه والكفار (١))، ولو فرضنا صحة السند واتصاله فهو خبر آحاد غايته إفادة الظن، فلا يهدم ما علم يقينا من العصمة؛ إذ الظن لا