للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فصل: في ذكر عقد الجزية وما يتعلق بها]

وهي بكسر الجيم مأخوذة من المجازاة والجزاء لكفنا عنهم وتمكينهم من سكنى دارنا، وقيل: من جزى يجزي إذا قضى، قال تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا}؛ أي لا تقضي، وفي الشبراخيتي: وسميت جزية لأنها جزت عن القتال أي كفت عنه. انتهى. وجمع الجزية الجزى بالكسر وهي عنوية وصلحية، فالعنوية قال ابن عرفة: الجزية العنوية ما لزم الكافر من مال لأمنه باستقراره تحت حكم الإسلام وصونه، والصلحية ما التزم كافر منع نفسه أداءه على إبقائه ببلده تحت حكم الإسلام حيث يجري عليه، وأخرج بقوله: منع نفسه العنوية فإنها تضرب عليه بعد القهر والأسر، وقوله: منع نفسه، جملة من فعل وفاعل ومفعول. وقوله: أداءه، مفعول التزم، ومقتضاه أن التراضي معهم على ترك المقاتلة بمال مع عدم كونهم تحت حكم الإسلام لا يكون جزية صلحية، وسيأتي في تعريف المهادنة ما يفيده، وحكمها الجواز، وقد تترجح للمصلحة، وقد تتعين عند الإجابة إليها قبل القدرة. وفي الجواهر: عقد الذمة التزام تقريرهم في دارنا وحمايتهم، والذب عنهم بشرط بذل الجزية والاستسلام من جهتهم، وينتهي حكم الجزية إلى نزول السيد عيسى ابن مريم صلوات الله وسلامه على نبينا وعليه، ثم لا يقبل إلا الإيمان، قال الأبي عن القاضي عياض في قوله صلى الله عليه وسلم: (ويضع الجزية (١))؛ أي لا يقبلها لفيض المال وعدم النفع به حينئذ، وإنما يقبل الإيمان، وقد يكون معنى وضعها ضربها لجميع أهل الكفر: لأن الحرب تضع حينئذ أوزارها ولا يقاتله أحد. انتهى.

قال العلماء: الحكمة في ضرب الجزية أن الذل الذي يلحقهم يحملهم على الدخول في الإسلام مع ما في مخالطة المسلمين من الاطلاع على محاسن الإسلام، ويدل لهذا أنه لما حصل صلح الحديبية وخالط المسلمين الكفار آمنين أسلم بسبب ذلك خلق كثير من صناديد قريش، مثل من كان قبل ذلك في الإسلام أو أكثر، واختلف في سنة مشروعية الجزية، فقيل: سنة ثمان، وقيل: سنة تسع، والأصل فيها الآية الكريمة: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ


(١) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، رقم الحديث ١٥٥.