فصل يذكر فيه الغسل: وهو بضم الغين: اسم للفعل، وبفتحها: اسم للماء على ما اختاره ابن مالك، وهو الأشهر. وقيل بالعكس، وقيل بالفتح فيهما، وحيث ضم جاز أيضًا ضم ثانية تبعا لأوله وبكسر الغين: اسم لما يغسل به، كالأشنان بضم الهمزة وكسرها والسدر ونحو ذلك. والغسل لغة: سيلان الماء على الشيء مطلقًا، وعرفا: غسل جميع الجسد بنية مخصوصة.
واعلم أن الصلاة فرضت خمسين، والغسل من الجنابة سبع مرات، وغسل الثوب من البول سبع مرات، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل حتى جعلت الصلاة خمسا، وغسل الجنابة مرة، وغسل الثوب مرّة. وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: إن المؤمن إذا قام وامتثل أمر الله واغتسل من جنابة غير محرمة، فكل قطرة تقطر من شعره يخلق الله منها ملكا يسبح الله تعالى إلى يوم القيامة. قاله الشيخ إبراهيم الشبراخيتي. وقال الشيخ زروق: وتأخير غسل الجنابة يورث الوسواس، ويمكن الخوف من النفس، ويقلل البركة من الحركات. انتهى. وكون تأخيره يورث الوسواس - سره والله تعالى أعلم - أن الجنب تفارقه الملائكة، والتطارد بين الشياطين والملائكة في معرك القلب دائم، فإذا ذهب أحد الجندين تغلب الآخر، وإذا تغلب الشيطان وسوس. والوسوسة يلزمها الخوف؛ لأن صاحبها لا يكون إلَّا مغموما كئيبا؛ فلذا يُمَكِّنُ التأخير المذكور الخوف. وإذا توالت الهموم، وعظمت الغموم، ضعفت القوة، وقلت المنفعة؛ فقلت البركة. انتهى.
يجب غسل ظاهر الجسد يعني أنه يجب على المكلف غسل جميع ظاهر جسده بسبب أحد الأمور الأربعة الآتية؛ ومن ظاهر الجسد تكاميش دبره، فبسبب ذلك يجب استرخاؤه، ويدخل في الظاهر أيضًا ما نبه عليه المص في الوضوء من الوترة وغيرها، وعمق السرة، وتحت حلقه وإبطيه، وعقبيه، وعرقوب يه، وما لا يكاد يداخله الماء بسرعة من جساوة أو شقوق، وأصابع الرجلين واليدين. وقال ناظم مقدمة ابن رشد: