للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل يذكر فيه أحكام الموتى؛ وما يتعلق بذلك.

واعلم أن صلاة الجنازة تدخل في تعريف ابن عرفة للصلاة؛ وهو قربة فعلية ذات إحرام وسلام؛ ولا يرد على هذا أن تكبيراتها بمنزلة الركعات، فإذا سبق الإمام المأموم بتكبيرة أو أكثر، فلا يكبر حتى يكبر الإمام؛ لأنه لو كبر قبله كان قاضيا في صلبه، فصح من هذا أن فيها تسليما فقط لا إحراما وتسليما، فلا تدخل تحت التعريف المذكور؛ لأنه يقال: لا يصح إيراد هذا؛ لأن تكبيرة الإحرام غير الإحرام، والإحرام والسلام موجودان في هذه الصلاة على كل قول، وإن لم يكن لها تكبيرة إحرام.

واختلف هل الموت وجودي أو عدمي؟ ومذهب الأشعري أنه: كيفية وجودية تضاد الحياة، وتمسك القائل بأنه وجودي بقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ}، وأجاب القائل بأنه عدمي، بأن معنى الخلق في الآية التقدير، وعلى أنه عدمي فهو عدم الحياة، وفي بعض الأحاديث: أنه معنى خلقه الله في كف ملك الموت، وفي بعضها (أن الله خلقه في صورة كبش لا يمر بشيء يجد ريحه إلاَّ مات (١)) قال ابن عرفة: والروح ذو جسد ويدين ورجلين وعينين ورأس. انتهى. وقال ابن عباس: وأكثر السلف أن حقيقتها غير معلومة؛ وهي مما استأثر الله جل وعز بعلمه. قاله الشاذلي. ومذهب أهل السنة من المتكلمين، والمحدثين، والفقهاء، والصوفية أن الروح جسم لطيف متخلل للبدن، تذهب الحياة بذهابها، وعبارة بعض المحققين هي: جسم لطيف مشتبك بالبدن اشتباك الماء بالعود الأخضر، وعن العلماء الموت ليس بعدم محض، ولا بفناء صرف، وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن، ومفارقة وحيلولة بينهما، وتبدل حال بحال، وانتقال من دار إلى دار، وهو من أعظم الصائب، وأعظم منه الغفلة عنه.

واعلم أن الجنازة اسم للميت أو للنعش، وهي من جنز أي ستر وقيل بالفتح اسم للميت وبالكسر اسم للنعش.


(١) فتح البارئي، ج ١١ ص ٤٢٠.